مع التكلف بتحميل القرآن ما لا يحتمل، وكأن فهم الحروف أمر مستحيل كفهم الرموز الغريبة، فالله جلّت قدرته لم يجعل ظاهر اللفظ في كلامه شيئاً مستحيلاً على فهم الناس ثم يأمرهم بالتدبر فيه، ويميز بعضهم عن بعض كل حسب قدرته على التأويل. ولا نقول هذا لنريح أنفسنا من عناء البحث، بل نبذل أقصى الجهد ولا نكتفي بمجرد التقليد وترديد القول (الله أعلم بمرادها) فنحن نعلم بأن الله أعلم، وقد شقينا إن لم نعلم بأن الله أعلم - كما قال عمر بن الخطاب (١) - فنحن في أمسّ الحاجة للمعرفة وقد كثرت شبهات وأقاويل أعداء الدين في هذه الحروف، ورحم الله ابن تيمية عندما قال: "إن الطالب الذكي يَضيق صدرُه بأسْرِ التقليد، ويُحِبُّ أن يخرج إلى بُحْبُوحة العلم، فلا تقنَع نفسُه ويَرضَى عقلُه إلّا بالوقوفِ على التأويل، وهو بدونه يعتور عقله الشبهات وصدره الحرج والضيق، فإذا عرفَ التأويل اطمأنّ قلبُه وانشرحَ صدرُه ورَضِيَ عقلُه." (٢)
هذا هو السبب الأصيل للخلاف عليها، أما مسبباته فمنها ظاهر معلوم ومنها غير ظاهر ولم يتطرق إليه كثير من المفسرين وهي:
المسبب الأول: كثرة الروايات الضعيفة والموضوعة في تأويل الحروف وهو من الأسباب الرئيسة، فقد تساهل الكثير من المفسرين بنقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأَصلي لمجرد دليل ظني
(٢) جامع المسائل لابن تيمية، ج٥ ص٨٨