زال قائماً بيننا وهو كتاب الله وسنة نبيه، فما وافقه أخذنا به وما شذ عنه رميناه، وإن كنا لا نردّ ما جاء عن أهل الكتاب لذات الغاية، فما روي عن السدي أولى، وإن كان كلامه لا حجة فيه البتة.
الرابع: إنّ فترة ما قبل التدوين كانت مرتعاً خصباً لأعداء الدين من اليهود والمجوس والطامعين لهدم هذا الدين العظيم، وكان نشر المرويات في تفسير القرآن من إسرائيليات وموضوعات لتحريف معاني القرآن من أدق أساليبهم، بعدما تيقنوا عدم قدرتهم على تحريف القرآن نفسه، وهذه المرويات ظاهرة في التفاسير، إلا من رحم ربي، ولم يتنبه إليها الكثير، بل نقل الكثير منهم بعض هذه المرويات وإن كانت من مُحدّث مشكوك في أمره، خوفاً من ضياع المعلومة، واكتفوا بوجود سند لهذه المرويات، فكانت سبباً لنقل ظاهر النص في القرآن عند الكثير من المفسرين، لأنها الدليل الوحيد الوارد في بعض الآيات، واعتبروها مما يستأنس به، وحاشا لله أن يستأنس بغير كلامه لبيان معانيه وهو الحق الأبلج. ومثالا عليه ما جاء في الإسرائيليات عن تفسير الحروف وأنها حُروف من حساب الجُمّل وهي مرويات مكذوبة. (١)
الخامس: إنّ فترة ما قبل التدوين كانت ساحة سياسية وفكرية للكثير من الطوائف المارقة والفرق الضالة بما أصابها من لوثات فلاسفة اليونان، وهو العجب العجاب، بأن أثّرت حضارة ميتة على أعظم الحضارات، وأثّرت كتب كانت ميتة فأحياها الناس على فهم أعظم الكتب على وجه الأرض، فحاول الكثير منهم نشر الشبهات للانتصار لقوله، بل وكَذَب بعضهم على كبار المفسرين، وأرادوا الانتصار لمفهوم تقييد القرآن، وهو السبب الأكبر للبعد عن فهم القرآن، وكانت فكرتهم عن التقييد من أثر القول بأن إعجاز القرآن كان إعجازاً للمشركين وليس