فقال إنها نزلت في المنافقين، وقال رافع كأن مروان أنكر هذا القول، وشهد زيد بن ثابت على صدق ما يقول، وقولهما وافق ما رواه الشيخان أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - " أنّ رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله - ﷺ - كان إذا خرج رسول الله - ﷺ - إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - ﷺ - فإذا قدم رسول الله - ﷺ - اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ الآية" وحديث ابن عباس كان رواية لمن سمع بالقصة من أحد الحضور عند ابن عباس، فقال بأن مروان أرسل بوابهُ لابن عباس ليتبين منه حال الإشكال الحاصل من قول رافع بن خديج، لأن قوله يخالف الظاهر من السياق، فجاء جواب ابن عباس من دون علمه بما دار في مجلس مروان، وجاء جوابه بأجود ما يكون، وقد يظن القارئ أن كلام ابن عباس كان فيه بيان لسبب النزول الصحيح، وإنكار لغيره وليس كذلك، بل بيان السبب كان بذكر الآية التي قبلها، واستغرابه من تأويلها على عموم اللفظ لكل من فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل، أما قوله سألهم النبي - ﷺ - فكتموه هو التفسير بضرب المثل على إصرارهم كتمان العلم حتى أمام رسول الله - ﷺ -، وهم يعلمون بأنه رسول الله وفعلهم هو الطغيان بعينه، وفي كلامه رضي الله عنه تفسير التأكيد من قوله تعالى ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. والدليل الدامغ على أنّه ضرب للمثل وأنه لم يقصد سبب النزول الصحيح، قول أبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج، ليس هذا فحسب، بل هنا ما هو أبلغ، وهو بيان واقع التنزيل فيما نقلوه كلهم لبيان الواقع، وما فيه من فعل لأهل الكتاب وللمنافقين في وقت التنزيل لهذه الآيات، وكلامهم -رضي الله عنهم- يُظهر الحق في وجوب الأخذ بالتوسع في بيان المقاصد، وأن أهل الكتاب هم سلف المنافقين وحالهم واحد فيما يفعلون، والعذاب لا يحق إلا عليهم، وإن كان فيها النهي عن النفاق العملي أيّاً كان، فهو من التوسع في بيان المقاصد، فمن كره فعل