بطشت وبطش كان أشد مني، فذلك قوله ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ قال له داود: أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾.. إلى قوله ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ ونسي نفسه - ﷺ -، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك، فتبسم أحدهما إلى الآخر، فرآه داود وظن أنما فتن ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ أربعين ليلة، حتى نبتت الخُضرة من دموع عينيه، ثم شدّد الله له ملكه." (١) فانظر ما حملوا كلام الله عليه من افتراء وقدح في الأنبياء، والكذب فيها والتفصيل على ما ورد في القرآن واضح، وأثر الصناعة فيها واضح. ومنهم من شق عليه تصديق القصة فقال إن الرجل كان خطيب المرأة وليس زوجها! وكأن القرآن نزل مكمّلاً للعهد القديم والجديد عند أهل الكتاب، فما استطعنا تفسيره واستقراء معانيه إلا بالرجوع إلى قصص كتبهم، ونسى علماؤنا الكرام (٢) أن اليهود لم يعترفوا بنبوة داود أصلاً،
(٢) ولا أقصد فيما ذكرت الطعن في علماء التفسير، فقد نقلوا وقالوا إن العهدة على الراوي، وكانت غايتهم تفسير القرآن كاملاً لبيان معانيه للناس، وهي غاية عظيمة، ونسأل الله لهم حسن الثواب، وإن زلّوا في تفسير آية أو أكثر فهذا من عدم العصمة للبشر، وكلّ يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - ﷺ -، وما علمهم وما ردنا إلا كما قال الله في داود عليه السلام: ﴿وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: ٢٥١] فعلمهم داخل فيما شاء الله أن يعلموه وردّنا داخل في دفع الناس بعضهم ببعض.