الباب الأول: مسالك المتحدثين في فواتح السور
المسلك الأول: الذين داروا في فلك التأويل، فكانوا ممن لهم أجر أو أجران، وهم المفسرون بالأثر وأقوال أهل اللغة، وأوَّلوها على أكثر من عشرين قولاً بحسب ما أحصيتها، وبحسب من أحصاها من العلماء (١)، فقالوا عنها مثلاً: هي اسم من أسماء القرآن أو أسماء للسور، وقالوا: هي فواتح يفتتح الله بها القرآن، أو جُعلت فصلاً بين السور، وقالوا: هي حروف مقطّعة من أسماء أو أفعال، وهي قَسَم، وهي من حروف الهجاء لأسماء الله الحسنى، أو فيها اسم الله الأعظم، وهي حروف هجاء موضوع، وهي حروف تحمل في كل منها معنى مختلف، وهي سر القرآن ومما استأثر الله بعلمه، وهي حروف تدل على أصلها كحروف، وجُعلت فواتح لقرع الأسماع، أو هي من حروف المعجم أساس نظم القرآن، وهي إعجازٌ للعرب عن صياغة مثل القرآن بها، وهي إعجازٌ في النظم لكونها تُمثّل أنصاف صفات الحروف، وهي تنبيه لمغايرتها عُرف العرب، وهي ذات دلالة مباشرة على معنى، كتفسير (ألم) بـ (أنا الله أعلم)، وسآتي على ذكر هذه الأقوال لاحقاً بالتفصيل (في الفصل الثاني) من خلال بيان موافقتها أو مخالفتها لأصول التفسير والتأويل. هذا وإن تعددت الأقوال إلّا أنها تدور في فلك التأويل المستحب، والخلاف فيها كان من تعدد الآثار والروايات، وكثرة الضعيف منها عن الصحابة رضي الله عنهم، وابن عباس تحديداً، وقد احتجّ أصحاب تلك الآراء بهذه الروايات كلٌّ حسب ما يؤيد رأيه من روايات وإن كان فيها اضطراب واضح، وظنّوا بأنّ وقوفها على التابعين يعضدها في كثير من الأحيان وإن لم تصح عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

(١) كالرازي في التفسير (٦/ ٢) والزركشي في البرهان (١٧٣/ ١) والسيوطي في الإتقان (٢٦/ ٢)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح أنها بلغت ثلاثين قولاً عند تفسير سورة المؤمن (غافر) (٥٥٤/ ٨) وقصد بالأقوال ما بين الشاذ والمشهور منها.


الصفحة التالية
Icon