المفسرين، "ويوهنه أنه لا ضابط له لأنه أخذ مرة بمقابلة الحرف بحرف أول الكلمة، ومرة بمقابلته بحرف وسط الكلمة أو آخرها" (١)، فيسقط قول من ادعى هذا وإن كان فيه وجه صحيح، لأن رواة الحديث ضعاف الحفظ وليسوا بمتهمين، وأغلب الظن أنهم نقلوا تعليقاً أو حاشية من كلام التابعين، لأن التابعين لم يكتبوا عن ابن عباس أصلاً، والتعليق بمجمله من غير نقص جاء لتأويل الحروف لا للدلالة على معناها، ومن قال بهذا الوجه فقد جعل هذا القول من باب تأويل الحروف، وأورد الحكمة منها متضمنة هذا اللفظ وإن كان فيه نقص أو ضياع في النص.
الثالث: إنها أسماء للقرآن كالفرقان والكتاب، وهذا تبع لقول قتادة إن (ألم، وطس وطسم) "اسم من أسماء القرآن" (٢)، وهذا من الفهم السقيم للروايات الناقصة، فقد روي عن قتادة - بسند أصح - قوله بأنها "اسم من أسماء القرآن، أقسم به ربك" والقصد منه: أسماء هذه الحروف من مجمل أسماء القرآن، شرفها الله وأقسم بها، فكانت من الأسماء المذكورة فيه، وهو داخل في القول بأنها حروف مقطّعة، كما نقول اقرأ (يس) ونعني بها اسماً للسورة، ولا نقصد أن هذه الحروف كلها أسماء للسور على الإطلاق، أو نقول اقرأها ياسين (بالفتح) ونعني به اقرأها كالاسم لبيان الصواب من الإعراب فيها، وفي هذا قال ابن حجر: "عن قتادة قال: حم اسم من أسماء القرآن. وقال ابن التين: لعله يريد على قراءة عيسى بن عمر بفتح الحاء والميم الثانية
(٢) رواه ابن جرير (٢٠٥/ ١) وابن أبي حاتم (٥٨٤/ ٢) والنحاس (٧٥/ ١) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وهو سند صحيح، ورواه ابن جرير (٢٠٥/ ١) وابن أبي حاتم (٣٣/ ١) والنحاس (٧٥/ ١) عن مجاهد بسند فيه موسى بن مسعود، وهو مشهور بالتصحيف (وهي آفة التفاسير)، قال في تقريب التهذيب (٢٢٨/ ٢): "صدوق، سيء الحفظ، وكان يصحف" وأعل سنده الألباني في الضعيفة (رقم ١٦٥٩)، فهو ضعيف، وانفرد ابن جرير بروايته (٢٠٥/ ١) عن ابن جريج بسند واه. وقول قتادة "اسم من أسماء القرآن أقسم به ربك" رواه ابن جرير (١٣٨/ ٢١) وابن أبي حاتم (٣٩١/ ١٠) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وسعيد أوثق الناس في قتادة كما في تهذيب الكمال (٢١٩/ ٢٠)، وفي تهذيب التهذيب (٢٢٠/ ١٠) " قال يحي بن معين: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري وابن طاووس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا"، وقتادة بصري، فالأصح رواية سعيد لا معمر.