بالكبير: الكاف من (كهيعص) (١) أو"كاف هاد أمين عزيز صادق" (٢)، وما في مقامها من ذكر لأسماء الله فهي صحيحة بمجموعها لا برواية دون أخرى، وكثرة الروايات واختلاف المتن من سند لآخر لا حجة فيه بمجموعها على المعاني المباشرة للحروف وإن كانت صحيحة، لأنها متناقضة ولا تتفق في الأسماء - حتى في نفس الرواية - والحجة فيها مبنية على الوجه الصحيح المقصود من مجملها وهو القول التالي.
الخامس: إنها حروف من هجاء أسماء الله، وهو الوجه الصحيح من القول السابق لتأويل الحروف، أي أنها ذات الحروف المنطوقة في أسماء الله، وكفاها شرفاً. وهذا الوجه يعضده مجموع ما روي عن ابن عباس في (كهيعص) وما جاء عنه وعن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب

(١) رواه ابن جرير (١٣٧/ ١٨) وغيره، وفي السند إسماعيل بن راشد، قال الألباني في سند جاء فيه: "هذا إسناد ضعيف معضل فإن إسماعيل بن راشد هذا وهو السلمي الكوفي من أتباع التابعين مجهول" الإرواء (حديث٧٦/ ٦ - ١٦٤٠)، ويعضد السند مجموع الروايات في التالي.
(٢) رواه ابن جرير مفرّقاً بحسب الحرف ووروده في الاسم (١٣٧/ ١٨)، ورواه مجموعاً الدارمي في النقض (ص١٩) وابن الجعد (ص٣٢٣) والحاكم (٣٠٤/ ٢) والبيهقي في الأسماء والصفات (٢٣٠ - ٢٣١/ ١) بأسانيد مختلفة من طريق عطاء عن سعيد بن جبير وسالم الأفطس عن سعيد، وإسماعيل بن راشد عن سعيد كلهم عن ابن عباس، ورواه بعضهم بنفس الأسانيد من كلام سعيد بن جبير كابن جرير (١٣٨/ ١٨)، ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (٥٣٢/ ٢) بسند فيه الكلبي، ولا يكاد سند من هذه الروايات يخلو من علة، وهو صحيح بمجموع رواياته لا بإحداها دون الأخرى، كما أن المتن فيه اختلاف واضطراب عجيب من رواية لأخرى، وهذه العلة قد أخرجته من صحة الاحتجاج به على المعاني، والصحيح أن الرواة والمخرّجين جمعوا الروايات المفردة كما هو أصلها عند الطبري، وكانت للبيان والتوضيح لما كان في الحروف من إعجام قبل التنقيط، وكل حرف أتى بيانه بلفظ منفصل، وهو الوجه الصحيح الوحيد فيها، وإذا لم نأخذ به رددنا الروايات وضعفنا ما هو صحيح كما قال الشوكاني في فتح القدير (٣٢٤/ ٣) بعد ذكر هذه الروايات: "يروى عن الصحابي نفسه التفاسير المتخالفة المتناقضة في هذه الفواتح فلا يقوم شيء من ذلك حجة، بل الحق الوقف، وردّ العلم في مثلها إلى الله سبحانه"، ولو أخذنا بها للمعاني لكذّبنا الأئمة الرواة، لأنهم نقلوها بالمعاني ولم يراعوا فيها اللفظ بعينه، ولذلك لن تجد لها ذكراً في كتب المحققين من المفسرين كابن كثير، وهي صحيحة ويعلمون أنها صحيحة، ولكنهم لم يجدوا الوجه الصحيح فيها فسكتوا عنها.


الصفحة التالية
Icon