ويجب التنبيه هنا بأنّ الكثير من علماء الحديث وأهل التفسير قد تساهلوا في نقل الكثير من روايات التفسير في الآثار، كما تساهلوا في نسبة أقوال المتكلمين وأهل اللغة لمعرفة المصدر لكل قول، وذلك لما اقتضاه واقع الحال في التفسير، وجاء هذا التساهل لاعتبارات كثيرة، ذَكر منها أهل الحديث بأنه قد يُستأنس بهذه الأقوال لفهم المعاني، وهذا أمرٌ حاصل، ولكن الاحتجاج به باطل، فالتساهل له أسباب حميده وليس منها تفسير معاني القرآن بمجرد الخبر، والتساهل ليس بدليل على حجية ما نقلوه إن كان ضعيفاً أو فيه شبهة، وقد يُستأنس بهذه الأحاديث لبيان فهم قائليها، ولا يُحتج بها في التوقيع عن رب العالمين، ونقل مقاصد الشارع في آياته عن ظاهر اللفظ بدليل ظنيّ الثبوت أو ظنيّ التأويل، ونقول: "لا يجوز العدول عن ظاهر النص إلا لدليل يجب الرجوع إليه، ولأن النَّبي - ﷺ - يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» " (١). هذا إن كانت الروايات من المسند الضعيف أو ما فيه علة لم تبلغ به رد الحديث، وقد نقلها علماء التفسير والمحدثون وقالوا: العهدة على الراوي، أما أقوال العلماء والتابعين المشكوك في نسبتها إليهم فهي أولى بالتمحيص والتدقيق والردّ، لأنها الأكثر والأغلب، فما كان منها جميعاً من المسند الموضوع فهو داخل في قول الرسول - ﷺ - "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النَّار" (٢)، والكذب على القرآن هو كذب على مُبلّغه وقائله، فلا نقول العهدة على الراوي، بل العهدة علينا إن أخذنا بها، وعلم الجرح والتعديل قادر على بيان الحكم الواجب اتباعه فيها. وقد كان هذا القول من أهم أسباب الخلاف في تفسير فواتح السور، وسبباً في تنازع الآراء عليها،

(١) أضواء البيان للشنقيطي (١٨٤/ ٥) تفسير سورة الحج، وقال: "كما هو مقرّر في الأصول" سورة النور (٤٩٨/ ٥)، والحديث بهذا النص عند النسائي (٣٢٧/ ٨) من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، قال الألباني: "إسناده صحيح"، ورواه جمع غفير من أهل الحديث منهم الإمام أحمد (٢٠٠/ ١) والترمذي (٦٦٨/ ٤) بلفظ "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة" وهو صحيح، انظر الإرواء للألباني (٤٤/ ١).
(٢) رواه الإمام أحمد (١٦٦/ ٣) والبخاري (٨٠/ ٢) ومسلم (١٠/ ١) وأصحاب السنن وأكثر أهل الحديث.


الصفحة التالية
Icon