التأويل بل على المعاني الظاهرة وأنها حروف مقطّعة وهو قول الجمهور، والمتن لم يزد عن المكتوب في القرآن شيئاً، لأنه كان بياناً للمكتوب، فكل الحروف المقطّعة من مفردها إلى خمستها أخذت حكم الأسماء المقطّعة في الكتابة، فهذا حكمها لا تأويلها وليست بدليل على قول من ادعى بأنها أسماء مقطّعة ويجب أن نجمعها لنفهمها. ولا ننسى بأنها كانت في زمانهم حروف معجمة (مبهمة) من غير تنقيط، وخير بيان لها هو بذكر أشرف الأسماء الظاهرة فيها، ويدل عليه ما جاء في الروايات من قوله في كهيعص هذا الحرف من ذاك الاسم، باختلاف الاسم مع الاتفاق على ذكر الحرف فيه، وهو ذات المعنى في الظاهر كما أسلفت، ويتماشى مع قولهم بأنها اسم، أي تقرأ كالاسم ولا تصرف، وكل هذا لبيان القراءة ومطابقتها مع الكتابة في القرآن، وفي هذا القول إشارة عظيمة سآتي على ذكرها عند الكلام عن دلالات الإعجاز.
السادس: ما قاله التابعون بأنها فواتح يفتتح الله بها القرآن (١)، وزاد بعضهم بأنها فواتح لقرع الأسماع وتنبيه لمغايرتها عرف العرب، (٢) ويخرج من هذا القول من قال بأن هذه الفواتح علامة
(٢) انظر ابن جرير الطبري (٢١٠/ ١)، وقال النحاس في معاني القرآن (٧٦/ ١) أن القول بأنها فواتح هو اختيار المبرد، ونقل قول المبرد "روي عن بعض أهل السلف أنه قال: هي تنبيه"، ونقل قول قطرب بأنها تنبيه لمخالفتها المعروف من الكلام، واختاره النحاس بمجموع القولين إنها فواتح وتنبيه، وقال هو الأبين بين الأقوال (٧٧/ ١)، وقال ابن الجوزي في زاد المسير (٢١/ ١) بأنه قول أبي روق عطية بن الحارث الهمداني (من صغار التابعين وله تفسير)، وقد أورد أبو الليث السمرقندي في بحر العلوم (٤٧/ ١) كلاما لقطرب (٢٠٦هـ) في هذا المعنى، وقطرب نحوي عالم بالأدب واللغة وتلميذ لسيبويه، وذكره الرازي (١٠/ ٢) وقال بأنه قول قطرب ومال إليه كتأويل وانتصر له، وقد ذكر قبلها بأنه "قول ابي روق وقطرب" (٧/ ٢).