ومن قال به وجب عليه الاعتراف بتفسيرها كحروف، إذ هو وجه الإعجاز فيها عنده، وهذا القول فيه وجه حسن على الدلالة في نظم الحروف كما سأبين عند الحديث عن الإعجاز في دلالات الحروف.
الثامن: ما قاله المحققون بأنها من حروف المعجم أساس نظم القرآن، وجاءت إعجازاً للعرب عن صياغة مثله بها (١)، وهو كما قال قطرب: "هي إشارة إلى حروف المعجم، كأنه يقول للعرب: إنما تحديتكم بنظم من هذه الحروف التي عرفتم" (٢)، وهذا التحدي المزعوم في كلام المحققين قد أتى في القرآن ظاهراً بالنص، فلا يكون التحدي بذكر الحروف فقط، ومن قال بهذا الرأي فقد فسّرها كحروف، وهو ما اختاره ابن كثير وجمع غفير من المحققين، وفي قولهم هذا وجه حسن سآتي على ذكره عند الحديث عن تأويل الحروف وما فيها من دلالات على الإعجاز في النظم.
التاسع: الوجه الصحيح من هذه الأقوال ومما جاء في الآثار وقفاً على التابعين أو نقلاً عن ابن عباس وغيره من الصحابة، بصورة مكملة لبعضها، وتتماشى مع المروي عن الرسول - ﷺ - بتناسق مع نظم القرآن وما فيه من إشارات ودلالات على الإعجاز كما يليق به ككتاب منزل من الله، لا كما جاء في كثير من الروايات من تناقض بين بعضها من جهة، وبينها وبين أقوال أهل العربية من جهة أخرى، وهذا الوجه الصحيح يشتمل على أقوالهم جميعاً من غير تناقض، ومن غير مخالفة للمعقول والمنقول الصحيح، ولا سبيل لمعرفة هذا الوجه إلا بالاستقراء وتدبر القرآن،
(٢) ابن عطية، (٨٢/ ١) تفسير سورة البقرة.