الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب بالفتح جميعاً، ولم تكن مشهورة عن عاصم لا في العراق ولا في الكوفة أو البصرة، (١) إذن فأهل الكوفة يقرأون طه بالكسر في الحرفين، وأهل البصرة يقرأون بالكسر في الهاء، ولا سبيل لبيان تلك القراءة إلا ببيان اللفظ باستعمال أقرب اللهجات المشهورة بالإمالة إليهم، وهي لهجة النبط أو السريان في وقتهم، لأن الإمالة واضحة فيها. وهذا هو الراجح وما أرادوه رضي الله عنهم، وما يتوافق مع قول أهل العربية وواقع القراءة عندهم، ومعلوم أن كثيراً من العلماء أنكروا شيئاً من قراءة الكوفيين، كقراءة حمزة والكسائي، لما فيها من إفراط في الإدغام والإمالة، بل لأنها امتازت بها، وكذلك أنكر كثير من أهل العربية الإمالة في (طه)، "قال النحاس: لا وجه للإمالة عند أكثر أهل العربية لعلتين: الأولى أنّه ليس هاهنا ياء ولا كسرة حتى تكون الإمالة، والعلة الثانية أن الطاء من موانع الإمالة" (٢)، ولا ننسى بأن هؤلاء الأئمة كانوا يبلغون الحديث والقرآن وما فيه من قراءات، وكان في وقتهم من لا علم له بالعربية ونحوها، ولا سبيل لبيان ألسنة العرب لهم إلا بالتوضيح والتشبيه، والله أعلم.
ولبيان ذلك بالمثال أقول: لنفرض أن أحد التابعين يُبلّغ قراءة القرآن بما يوافق قراءة حمزة، وكان في إحدى المدن في جنوب بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية، وأراد توضيح الإشمام في الزاي عند قوله تعالى ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] أو قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٨٧] أو قوله تعالى ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ [الطور: ٣٧] لقال: هي كقولك "الزراعة" بلغة الفلاحين، لأنهم في تلك المنطقة يقولونها بالإشمام التام لا

(١) تراجم القراء ونسبهم ومواطنهم وأين نزلوا وأشهر من أخذ عنهم وبيان أحوالهم وأسانيدهم في تاريخ القراء العشرة للشيخ عبد الفتاح القاضي (موقع طريق القرآن) وسير أعلام النبلاء للذهبي، وتهذيب التهذيب لابن حجر، والإكمال لابن ماكولا، والأعلام للزركلي، وغاية النهاية في طبقات القراء للجزري.
(٢) القرطبي (١٦٨/ ١١) والشوكاني (٣٥٥/ ٣) تفسير سورة طه


الصفحة التالية
Icon