وقد تنبه لهذه الأخطاء علماء اللغات من أهل الكفر، فجعلوها مدخلا للطعن في القرآن، والمحزن أن يتبعها البعض من أهل الإسلام من غير تحقيق وتمحيص في الآثار وعلوم القرآن طلبا لما وراء المجهول من تخرّصات وأوهام، ليشتهروا بها أو ليَظهروا مظهر المدافع عن القرآن، فساء ما كانوا يفعلون، ولو كان في هذه الروايات ما تطمئن إليه النفس لما وجدنا علماء التفسير حائرين - وهم من روى هذه الآثار - في تفسير ذات الحرف أو الحروف، ولو كانوا على يقين من صحة الأحاديث المروية عن ابن عباس أو غيره في هذا الباب لما تركوها ليذكروا حديثاً ضعيفاً آخر أو موضوعاً طلباً للمزيد، وبالتالي قالوا كما قال ابن جرير إنّ لكل واحدة منها وجه صحيح والله أعلم، فتنبه لهذا، ومن أراد التأمل فيها فليقرأ من التفاسير ما اقتصر على الصحيح من روايات الصحابة والتابعين وقلّت فيه الروايات الضعيفة، ومن أراد البحث والتمحيص فليقرأ كتب المفسرين الأوائل وما جاء فيها من آثار مع الرجوع لكتب أهل الحديث أو ما اقتصر منها على أسانيد المفسرين وتحقيقها.
ويتبين لنا بعد هذا التحقيق أيضاً، بأن كل علم من علوم القرآن أو علوم الحديث كان له رجاله وفرسانه، وقد يعيب أحد الطرفين على الآخر بعدم الدراية في علمه، كما عاب أهل الحديث وأهل العربية على بعض القراء كالإمام نافع لعدم درايته بالعربية ونحوها وبعلم الحديث وروايته، وهو إمام وقراءته سنه كما قال عنه الإمام مالك، وما وجدناه هنا يعيب على بعض أهل الحديث عدم درايتهم بعلم القراءات أيضاً، بإيراد هذه الروايات مع اختلافها في أبواب التفسير وهي ليست من التفسير كما فعل الإمام أبو بكر ابن أبي شيبة، وقد كان بحراً من بحور العلم، وبه يضرب المثل في قوة الحفظ كما قال عنه الذهبي، وفيه قال أبو عبيد القاسم بن سلام: "انتهى الحديث إلى أربعة: إلى أبى بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي


الصفحة التالية
Icon