براهين البعث والنشور
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١ - ٢٢].
لما ذكر الله أصناف الخلق الثلاثة خاطبهم أجمعين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا﴾ [البقرة: ٢١ - ٢٢]، إلى آخر الآيتين.
وأراد الله من هذا أن يبين حقيقة البعث والنشور، وذكر في هاتين الآيتين ثلاثة براهين على وجود البعث والنشور.
البرهان الأول: هو الإيجاد والخلق الأول، وقد بينه بقوله: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١].
ومعلوم قطعاً أن من قدر على الخلق الأول فهو قادر على الخلق الثاني، وهذا قد بينه الله في غير سورة، قال الله جل وعلا: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ [يس: ٧٨]، وقال الله جل وعلا: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء: ٥١]، فالاتكاء في الدليل على الإيجاد الأول أول البراهين على أن هناك بعثاً ونشورا.
الدليل الثاني: ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان، وفائدة الذكر أن من قدر على خلق الأعلى قادر على أن يخلق ما هو دونه، والله جل وعلا خلق السماوات والأرض، فمن باب أولى أن يكون قادراً على أن يحيي الناس بعد موتهم، ودليل هذا في القرآن قال الله جل وعلا: ﴿لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧]، وقال جل وعلا: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس: ٨١]، فهنا برهانان: البرهان الأول: الإيجاد والخلق، البرهان الثاني: ذكر خلق أعظم من خلق الناس، وهو هنا خلق السماوات والأرض.
البرهان الثالث: القياس، لأن الله جل وعلا قال: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢]، فكون الأرض ميتة فينزل عليها من السحاب مطر فتحيا يدل على أن من أحياها قادر على أن يكون على يديه البعث والنشور، وهذا ما ذكره القرآن، قال الله جل وعلا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: ٣٩].
فبين سبحانه أن القادر على أن يحيي الأرض بعد موتها قادر بقدرته وعظمته وجبروته ورحمته وعزته وسلطانه على أن يحيي الناس ويعيدهم بعثاً ونشوراً بعد أن كانوا أمواتاً، فاجتمعت في هاتين الآيتين ثلاثة براهين على إثبات حقيقة البعث والنشور، فهذا هو التفسير المجمل للآيتين.