تفسير قوله تعالى: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)
ثم قال تبارك وتعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٥ - ٣٦].
حتى قال الله جل وعلا بعد ذلك بآيات: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤٠]، ((كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا)) أي: لم يصدقوا الرسل.
((وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا)) أي: لم ينقادوا لها.
قال: ((لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ))، الإنسان تخرج روحه من جسده بعد أن تكون هذه الروح قد ألفت الجسد، فإذا خرجت كانت روحاً مؤمنة تفتح لها أبواب السماء، وإن كانت روحاً كافرة أو منافقة أغلقت في وجهها أبواب السماء عياذاً بالله.
فالله يقول هنا: ((لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ)) هذا الجزاء الأول قبل البعث.
ثم قال: ((وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ)) يعني: بعد البعث، وهذه الآية نص على أن الكافر لا يدخل الجنة.
قال: ((حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)) الجمل: الحيوان المعروف، وسم الخياط: الخرم الذي في الإبرة، فالخرم الذي في الإبرة من أضيق الأشياء، والجمل من أعظم المخلوقات جسماً، والمقصود من الآية: تعليق على الاستحالة: فكما أنه محال أن يدخل الجمل بهذه الخلقة العظيمة في سم الخياط، فمحال أن يدخل الكافر الجنة، ولن يلج الجمل في سم الخياط.
قال: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤١]، لما ذكر الله حال أهل الكفر ذكر حال أهل الإيمان، والأصل في القرآن: أنه يبدأ بالكفار ويختم بالمؤمنين.
قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٤٢]، جعلنا الله وإياكم منهم.
ذكر الله جل وعلا هنا: ((لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) وقد استنبط العلماء من هذه الآية وأمثالها قاعدة فقهية تقول: لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة.
فمثلاً: الله جل وعلا جعل من واجبات الوضوء: غسل اليدين إلى المرفقين، فلو أن أحد الناس قطعت يده فهذا ليس عنده يد، فماذا نصنع بواجب الوضوء؟ يسقط عنه للعجز، فلا توجد يد أصلاً، وقد يكون العجز أقل من ذلك، والإنسان يجب عليه أولاً: أن يتوضأ بالماء، فإذا عجز عن الوصول للماء أو أضره الماء رغم وجوده سقط عنه الواجب، وانتقل إلى مسألة أخرى وهي التيمم، حتى قد يصل أحياناً أنه يصلي بدون وضوء وبدون تيمم إذا كان عاجزاً، فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة، وهذا معنى قول الله: ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٤٢].