تفسير قوله تعالى: (إنما توعدون لصادق)
وقلنا: إن جواب القسم: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات: ٥ - ٦]، فقوله تعالى: (ما توعدون) أي: البعث، والدين المقصود به هنا: الجزاء والحساب.
وكون الرب جل وعلا يقسم بأربعة من مخلوقاته فيه شرف لمن أقسم الله بهم، وفي نفس فيه دلالة على أهمية القضية، ولذلك جعل الله الإيمان باليوم الآخر أمراً يترتب عليه الكفر والإيمان، فمن آمن بالله بوجود الله ولم يؤمن باليوم الآخر بالبعث والنشور لا يعتبر مؤمناً، ولكن ليس كل من آمن باليوم الآخر يعتبر مؤمناً حتى يؤمن بالحساب والعقاب الذي أخبر به الرسل، فاليهود والنصارى يؤمنون باليوم الآخر، ويؤمنون بأن هناك جنة وناراً، ولكنهم يزعمون أن الجنة لهم والنار لغيرهم، قال الله جل وعلا: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [البقرة: ١١٣]، وقال الله جل وعلا: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ [البقرة: ١٣٥]، وقالوا: لن ندخل النار إلا أياماً معدودات.
وهذا كله إخبار منهم بأن هناك بعثاً ونشوراً، وهم مؤمنون بالبعث والنشور، ولكنهم يؤمنون بأمور أخر، منها: أنهم يجعلون مع الله آلهة أخرى، فقد زعمت اليهود أن عزيراً ابن الله، وزعمت النصارى أن المسيح ابن الله، فأركان الإيمان المنصوص عليه في حديث جبريل عليه السلام لابد من الإتيان بها كلها، حتى يحكم على أي رجل بأنه مؤمن.


الصفحة التالية
Icon