تفسير قوله تعالى: (إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك)
ثم قال جل وعلا: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٨ - ٩].
قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ [الذاريات: ٨] قال فيه بعض العلماء: (في قول مختلف) أي: مصدق ومكذب.
فإن قلنا بهذا تكون الآية قد خوطب بها جميع الناس؛ لأن الكفار منهم لا يصدقون بالبعث.
وقال الأكثر (في قول مختلف) أي: اختلفتم في النبي صلى الله عليه وسلم، فمنكم من قال: إنه شاعر، ومنكم من قال: إنه كاهن، ومنكم من قال: إنه ساحر، ومنكم من قال: إنه مجنون.
وعلى هذا القول يصبح عائداً على الكفار، وكفار قريش في المقام الأول.
وقوله تعالى: ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٩]، المعنى: يصرف عنه من يصرف، ويدفع عنه من يدفع بقدر الله.
و (عن) هنا جارة، والهاء ضمير يعود على النبوة، ويعود على القرآن، ويعود على البعث والنشور، فالإيمان بذلك يصرف عنه من صرفه الله جل وعلا عن الإيمان، هذا قول علماء التفسير في هذه الآية ونقول غير متجرئين -والله تعالى أعلم-: إن هذا القول في نظرنا لا يستقيم؛ لأنه لا يمكن أن يقسم الرب على شيء لم ينكره أحد.
فالله تعالى قال: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾ [الذاريات: ١]، ثم قال: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات: ٥ - ٦]، أقسم الله لأنهم أنكروا البعث والنشور ولكن إذا أخذنا بقول المفسرين في قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ [الذاريات: ٨] فمعنى الآية أن هؤلاء القرشيين اختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يحتاج إلى قسم؛ لأنهم لم ينكروا اختلافهم في النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إننا إذا أخذنا قوله تعالى: (يؤفك عنه)، وجئنا بالضمير؛ فإن الضمير لا يمكن أن يعود على (قول مختلف)، فيعود على القرآن، ويعود على النبوة، ويعود على البعث والنشور كما قال العلماء، وهذا تكلف في الخطاب.
فالصحيح -فيما نظن والله أعلم- أن معنى قول ربنا جل وعلا: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ [الذاريات: ٨] أي: هذا القول الذي جاء به محمد ﷺ مختلف مغاير لما عهدتموه من الأقوال، ومغاير لما عهدتموه من الأساطير والأقوال، وهذا القول الذي هو الإيمان جملة يصرف عنه من يريد الله جل وعلا صرفه عنه.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ [الذاريات: ٨] أي في نبأ جديد مختلف عما عهدتموه مما ينقل لكم من أساطير الأولين ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٩] أي: يقبله من يريد الله، ويصرف عنه ويدفع عنه من يريد الله تبارك وتعالى أن يصرفه ممن لم يكتب الله جل وعلا له الهداية.
ولا أعلم أحداً قال بهذا القول قبل، ولكننا في مجلس علم، ولا يلزمك شيء من قبوله.


الصفحة التالية
Icon