تفسير قوله تعالى: (والطور)
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صفيه من خلقه وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا الدرس خاص بتأملات في سورة الطور، وهي سورة مكية تناولت أصول العقيدة الثلاثة: الوحدانية، وإثبات الرسالة، والبعث والجزاء.
وهذه السورة بدأت بقسم على صدق البعث والجزاء وانتهت بالأمر لنبينا ﷺ بأن يصبر وأن يقرن ذلك الصبر بالتسبيح، كما أن هذه السورة الكريمة ثبت فيها أنه ﷺ قرأ بها في صلاة المغرب، كما في حديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما قدم المدينة يسأل النبي ﷺ في أسارى بدر، فسمع النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ بها -أي: بسورة الطور- في صلاة المغرب، فكاد أن ينصدع قلبه كما أخبر بعد ذلك رضي الله عنه وأرضاه.
أما تفسيرها فإننا نقول ومن الله نستمد العون، ونستدفع نقمته ونستجدي رحمته قال ربنا جل جلاله: ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [الطور: ١ - ٨] هذا قسم من الله جل وعلا ببعض مخلوقاته، فأقسم ربنا جل وعلا في هذه السورة بالطور، والطور في اللغة: هو الجبل الذي فيه نبت وشجر، فكل جبل أنبت فهو طور، وكل جبل لم ينبت فليس بطور.
و (أل) في الطور إما أن تكون للجنس، وإما أن تكون للعهد، فإذا قلنا: إنها للجنس فهي شاملة لجميع الجبال التي عليها نبت وشجر، وإن قلنا: إنها للعهد فإن المعهود هنا معهود ذهني وليس معهوداً لفظياً؛ لأنه ليس قبل هذه الآية شيء، وإنما هو معهود ذهني مستقر في الأذهان، والمعهود الذهني المستقر في الأذهان المتعلق بالطور هو الجبل الذي كلم الله جل وعلا عنده عبده ونبيه وصفيه موسى بن عمران عليه السلام، قال الله جل وعلا: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢]، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤]، وفي آيات أخر سماه الله جل وعلا البقعة المباركة، وسمى تبارك وتعالى الوادي الذي فيه هذا الجبل، قال الله جل وعلا: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [طه: ١٢]، فهذا كله إخبار بأن الأرض التي فيها الجبل أرض مقدسة، وهي طور سيناء، وأن الجبل نفسه جبل مبارك؛ لأنه عند هذا الجبل نزل الوحي على رسول من أولي العزم من الرسل هو موسى بن عمران، وكلمه الله جل وعلا، ونال موسى في ذلك المكان المبارك ما نال من فيض الله جل وعلا ورحمته وبركاته عليه وهو النبي والصفي والكليم الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
فيتحرر من هذا أن الطور في قول أكثر العلماء المقصود به الجبل الذي كلم الله عنده موسى.