تفسير قوله تعالى: (يوم تمور السماء موراً وتسير الجبال سيراً)
ولما كانت آيات القرآن يمهد بعضها لبعض قال الله جل وعلا في بيان وقت حصول العذاب: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الطور: ٩ - ١٠].
قوله تعالى: (تمور السماء) أي: تضطرب، وتموج، وتتحرك، فالسماء يوم القيامة تضطرب تتحرك، ثم بعد ذلك يموج بعضها في بعض، ثم بعد ذلك تتبدل، كما قال الله جل وعلا: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ﴾ [إبراهيم: ٤٨] وكذلك الجبال، فإنها أول الأمر تسير كما يسير السحاب، قال الله جل وعلا: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: ٨٨] وأخبر الله جل وعلا أنها تصبح كالعهن المنفوش، ثم بعد ذلك تصبح منبثة، كما قال الله جل وعلا: ﴿فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة: ٦] فتضمحل وتنتهي وتندك، كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٥ - ١٠٧]، وهذه الأحداث تقديم بين يدي يوم عظيم يجيء فيه الجبار جل جلاله مجيئاً يليق بجلاله وعظمته، ويحشر الناس على أرض بيضاء نقية لم يُعص الله جل وعلا فيها طرفة عين، ويخرج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً بهماً لا يملكون من متاع الدنياء شيئاً، فيلجمهم العرق، وتدنو منهم الشمس، ويزدحم بعضهم ببعض، ومنهم من يخصه الله بأن يظله تحت ظل عرشه جعلني الله وإياكم من أهل ذلك.
فذلك كله أخبر الله جل وعلا عنه بالتمهيد الذي كان ينكره المشركون فقال: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الطور: ٩ - ١٠].


الصفحة التالية
Icon