تفسير قوله تعالى: (خشعاً أبصارهم)
ثم قال تعالى: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ﴾ [القمر: ٧].
(الأَجْدَاثِ) هي القبور.
وقوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ) هذه آية القمر، ولكن الله قال في القارعة: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة: ٤]، فيكون الناس كالفراش المبثوث يوم القيامة، فشبههم الله مرة بالجراد ومرة بالفراش، والفراش والجراد ضدان؛ لأن الجراد منتظم في سيره، أما الفراش فطائش يموج بعضه في بعض حول النار حتى يتساقط فيها، ففرق بين الجراد وبين الفراش، ولكن الله جل وعلا قال عنهم: إنهم فراش، وقال عنهم: إنهم جراد، ووظيفة العالِم هنا أن يجمع بين الآيتين؛ لأنه ينبغي تصديق الآيتين، ولكن العلم أن تجمع بينهما، ويجمع بينهما بأن نقول: إن الناس أول ما يخرجون يخرجون كالفراش لا يدرون أين يذهبون؛ لأنهم لم يبعثوا من قبل، فيموج بعضهم في بعض كما قال الله جل وعلا، لا يدرون أين يذهبون، فإذا تكلم إسرافيل ونادى تركوا هذا الموج وانتظموا وتبعوا الداعي الذي هو إسرافيل، فانتقلوا من حالة كونهم كالفراش، إلى حالة كونهم كالجراد، فحالتهم كالجراد المقصود بها الكثرة والانتظام، وحالتهم كالفراش المقصود بها الاضطراب، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ﴾ [طه: ١٠٨]، يعني: لا أحد يزيغ ميمنة ولا ميسرة.
والجراد يأتي منتظماً إلى أرض خضراء، وتسمى مجموعة الجراد عند العرب الرجل، يقولون: رجل جراد، أي: مجموعة جراد، وقد جاء في الحديث: (إن الله أنزل على أيوب رجل جراد من ذهب)، فالجراد المجتمع يسمى رجلاً، والطير المجتمع يسمى سرباً.