ذكر دعوة نوح عليه السلام على قومه
قال تعالى: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠].
قوله تعالى: (مَغْلُوبٌ) أي: مضطهد.
(فَانْتَصِرْ) سأل الله النصرة، وكانت له دعوة، فقالها مرة واحدة، ولذلك جاء في حديث الشفاعة أنه لما يقول له الناس يوم القيامة: اشفع لنا عند ربك، فيقول: قد كانت لي دعوة فقلتها، فعجلت بها على قومي.
وينبغي أن تفهم جيداً أن الله جل وعلا لما خلق آدم خلقه وذريته على الفطرة، فبقي الناس مؤمنين إلى أن جاء قوم نوح فاتخذوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحاً، فكان نوح أول الرسل.
فالناس من آدم إلى نوح لم يكونوا كفاراً ومؤمنين، بل كانوا كلهم مؤمنين، قال الله: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [البقرة: ٢١٣] أي: على دين واحد، وتقدير الآية: (فاختلفوا) ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ [البقرة: ٢١٣].
وعندما غُلِب نوح وآذاه قومه دعا الله، فلما دعا الله أنزل الله الماء من السماء فأغرق أهل الأرض، فلما أغرق أهل الأرض حمل نوح المؤمنين الذين معه في السفينة، فمات كل من على ظهر الأرض، إلا من كان على ظهر السفينة مع نوح.
وهذا هو التطهير الثاني، لأن التطهير الأول كان في بداية الخلق، والتطهير الثاني كان بدعوة نوح، حيث قال: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: ٢٦ - ٢٧]، فلو أتى الآن إنسان وقال: سأدعو الله بألا يذر على الأرض كافراً، فهذا لا يجوز؛ لأن الأحاديث دلت على أن الكفر والإيمان يبقيان إلى قيام الساعة، فأنت تسأل الله مالا يكون، لكن الله أخبر نوحاً بأنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، فهو يعرف أنه لن يؤمن أحد، فدعا عليهم، فأهلك الله الكفار، والذين كانوا مع نوح في السفينة هم المؤمنون، فكل من على ظهر الأرض اليوم من ذرية نوح ومن كان معه على السفينة، قال الله جل وعلا: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١]، و (ذرية) هنا ليست بمعنى الأبناء، وإنما بمعنى الآباء والأجداد؛ لأن الذين حُمِلوا مع نوح ليسوا أبناءنا، لأننا نحن المخاطبون بالقرآن، وإنما الذين حملوا مع نوح هم آباؤنا، والله يقول لكفار قريش ولمن يقرأ القرآن: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ﴾ [يس: ٤١] أي: لكل من يقرأ القرآن ﴿أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١]، و (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) سفينة نوح.
فقوله: (ذُرِّيَّتَهُمْ) يعني: آباءنا وأجدادنا الذين كانوا مع نوح في السفينة، و (ذرية) تأتي بمعنى الأبناء، وهو الأكثر، وتأتي بمعنى الآباء، وهذا من دلائلها في القرآن.