تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان)
قال الله جل وعلا: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩].
وهنا يرد إشكال لطالب العلم ولمن يقرأ القرآن وهو أن الله قال في هذه السورة: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩]، وقال تبارك وتعالى في سورة أخرى: ﴿وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨]، فنفى تبارك وتعالى هنا السؤال، وأثبته في مواطن أخرى، فقال الله جل وعلا: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦]، وقال جل وعلا: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ [الصافات: ٢٤].
وهذا وارد كثيراً في القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: ٨]، والجواب عن هذا علمياً أن يقال: قال بعض العلماء: إن القيامة مواطن ومواقف متعددة، فموطن يسأل فيه وآخر لا يسأل، وهذا وإن قال به بعض العلماء الأجلاء إلا أنه في ظننا بعيد.
والصواب -إن شاء الله- أن يقال: إن السؤال قسمان: قسم أثبته الله، وقسم نفاه الله.
فالقسم الذي أثبته الله هو سؤال التقريع والتوبيخ، أي: أن يسألوا لم فعلتم هذا؟ وأما السؤال المنفي في قوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩] فهو سؤال الاستعلام والاستفهام، أي: لا يسأل الناس: هل فعلتم أم لم تفعلوا؛ لأن الله أعلم بما فعل الناس من أنفسهم، قال الله عز وجل: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ [المجادلة: ٦].
إذاً: تحرر من هذا أن هناك سؤالاً منفياً وسؤالاً مثبتاً، وقد يأتي على هذا الإشكال إشكال آخر، وهو أن يقال: إذا كان السؤال المثبت هو سؤال التقريع والتوبيخ، فكيف يسأل المرسلون؟ وكيف تسأل الموءودة؟ فالجواب عن هذا أن يقال: إن سؤال الموءودة تقريع وتوبيخ لقاتلها، وسؤال الرسل تقريع وتوبيخ لأممهم الذين كذبوا بهم، وبهذا يجتمع ما جاء في القرآن من نفي السؤال وما جاء في القرآن من إثباته.