تفسير قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان)
قال الله جل وعلا: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ * وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ﴾ [الرحمن: ٧ - ١٠].
هذه دعوة للعدل بين العباد، والله جل وعلا حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرماً، ومن أعظم صفات المتقين: العدل، وقد قيل: بالعدل قامت السماوات والأرض، ولا يجوز للحاكم أن يظلم ويجور في رعيته، ولا يجوز للزوج ألا يعدل بين زوجاته، ولا يجوز للمعلم ألا يعدل بين طلابه، ولا يجوز للأب ألا يعدل بين أبنائه، ومن صفات من يخاف الله ويراقبه ويطمئن إلى الوقوف بين يديه أن يعدل فيما ولاه الله تبارك وتعالى عليه.
ولهذا نهى الله عن الطغيان وعن الخسران، فقال جل وعلا: ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾ [الرحمن: ٨] أي: لا تزد فيه إذا كان الكيل لك.
ثم قال: ﴿وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: ٩] أي: لا تنقصوا منه إذا كان الكيل عليكم لغيركم، ولا تطغوا فيه إذا كان الكيل لكم.
وكما يزن الإنسان في بيعه وشرائه فيجب أن يعدل في بيعه وشرائه، وأن يعدل حتى في قوله، فلا يقل ما يعلم أنه جور وظلم كغيبة أو نميمة أو قدح في الغير أو ما أشبه ذلك، فهذا كله من عدم إقامة العدل بين الناس، وفي ذات الإنسان نفسه، قال الله جل وعلا: ﴿فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [الأنعام: ١٥٢]، فالمؤمن الحق الذي يرجو ما عند الله يعدل في كل ما ولاه الله تبارك وتعالى إياه.