وقفة مع قول الله تعالى: (ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً)
قال سبحانه: ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠].
الله جل جلاله يخوف بكل شيء، والناس يرون الأمور فيختلفون فيها، فقد يخسف القمر فيكون الإنسان في بيته لا يدري أن القمر خسف، وآخر يلعب الورق فينظر إلى القمر وقد خسف فيقول لأصحابه: انظروا إلى القمر قد خسف، ثم يكمل لعبته، وقد يكون الإنسان في غرفته عاكفاً على محرم فيقدر له أن يفتح النافذة فيرى القمر وقد كسف فيتعجب ويغلق النافذة، ويراه إنسان يحب البحث العلمي فيأخذ الآلة ويصور، ويراه إنسان يحب المسائل الحسابية فيدون، ويراه مؤمن -جعلنا الله من أهل الإيمان- فيعلم أنها آية يخوف الله جل وعلا بها عباده، ويفزع إلى المسجد إن كان قريباً منه، أو إلى مصلاه في بيته فيصلي، كما فزع النبي ﷺ إلى مصلاه في مسجده، فلما كسفت الشمس خرج ﷺ يجر رداءه حتى إنه ورد أنه ﷺ من عجلته لبس الإزار مكان الرداء ثم خرج يجر ردائه صلوات الله وسلامه عليه وهو يعلم يقيناً أن الأرض لن تهلك وهو حي؛ لأن الله جل وعلا جعله أمنة للأمة: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣]، ومع ذلك لما رأى تلك الآية صلوات الله وسلامه عليه خرج فزعاً إلى الصلاة.
والمقصود: أن الله يقول هنا عن مشركي قريش: ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠]، وجبار القلب -عياذاً بالله- من لم يعرف الله، حيث يسمع المواعظ ويقرأ عليه القرآن ويذكر بالله، ويرى الشمس تكسف، والقمر يخسف، ويرى الزلازل، والبراكين، ويرى الفيضانات ولا يتغير في قلبه شيء، بل يزيده طغياناً يخرج منه إلى معصية أكبر، وهذا هو الفرق بين من وهب قلبه لله ومن وهب قلبه لغير الله، قال الله جل وعلا عن الراسخين في العلم: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: ٧ - ٨].