تأملات في قول الله تعالى: (واستفزز من استطعت منهم)
قال الرب جل وعلا: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الإسراء: ٦٤].
وهذه الأربع المقصود من الأمر فيها: التهديد، ومعنى (استفزز) أي: استخف، ولا يطيع الشيطان إلا من فيه خفة في العقل؛ لأن الاستفزاز الاستخفاف، والإنسان إذا كان ثقيلاً لا يستفزه شيء فهذا أمر محمود، وأعظم منه ألا يقع في المغريات، كأن يكون تاجراً من التجار يظل وقتاً طويلاً لا يبيع شيئاً فإذا أتاه مشترٍ ليشتري منه يأتيه الشيطان بوسوسته لاستفزازه ويقول له: انتهى الوقت ولم تربح شيئاً فغش هذا الرجل واحصل على ربح كبير، فيغش ويخدع ويظن أن هذا المال رزق حلال.
وهكذا فكل إنسان يتلبس بشيء يمتحنه الله جل وعلا ويختبره فيه إن كان حقاً فحق وإن كان باطلاً فباطل، حتى من يعلن التوبة ما إن يخرج من المسجد، أو من المحاضرة أو من الخطبة إلا ويتصل به رفيق السوء، ويعرض عليه فيلماًً، أو يعرض عليه دخاناً، أو يعرض عليه شيئاً محرماً ليعلم هل قالها عن حقيقة فيثبت، أو قالها عن ضعف وعجز فينجرف، أعاذنا الله من ذلك وثبتنا على هديه؛ هذا المعنى العام لهذه الآية.