تفسير قوله تعالى: (ومنهم الذين يؤذون النبي)
قال الله جل وعلا: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٦١].
هذه الآية سبب نزولها أن قوماً من أهل النفاق كانوا يتحدثون في مجالسهم الخاصة فيعيبون النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول بعضهم لبعض: نخشى أن يصله كلامنا.
فيقولون: إن النبي ﷺ أذن، أي: يصدق كل شيء، فإذا بلغه أننا تكلمنا فإننا سنذهب إليه فنعتذر فسيصدقنا، فكانوا يصفون النبي ﷺ بالبلاهة، يريدون أن ينتقصوه.
فالله تعالى هنا يدافع عن نبيه ويناصره ويتولاه، ويقول: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ [التوبة: ٦١]، والأذن: الجارحة المعروفة، والمقصود أن النبي يسمع ويصدق كل ما يقال له حسب زعمهم فقال الله: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) والنبي ﷺ أرفع مقاماً، وأكمل خلقاً، وأجل سيرة مما افتراه هؤلاء عليه، بل كان عليه الصلاة والسلام يتغافل عما لا يشتهي، ولم يكن فيه إلا الرحمة والخير للناس، كما قال الله عنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
فقال الله هنا: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] فجاء بالفعل (يؤمن) معدًّى في الأولى بحرف الجر الباء، ومعدًّى في الثانية بحرف الجر اللام، والمقصود هو الفرق في التعدية هنا؛ فقوله جل وعلا: (يؤمن بالله) لبيان أن إيمانه ﷺ بوجود ربه أمر لا يخالطه فيه شك أي: في وحدانية ربه وإلهيته ووجوده، وأما قوله تعالى: (ويؤمن للمؤمنين) فلبيان أن النبي ليس مسئولاً عن سرائرهم، وإنما يسلم أمرهم لله، فيؤمن بما ظهر منهم ويكل سرائر الناس إلى خالقهم.
ثم قال جل وعلا: ﴿وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ [التوبة: ٦١]، ولا شك في أن النبي ﷺ في بعثته رحمة، وفي هديه رحمة، وفي سيرته رحمة لكل من يقتفي أثره ويتبع سنته.


الصفحة التالية
Icon