تفسير قوله تعالى: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين)
قال الله جل وعلا: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر: ١ - ٢].
المبحث اللغوي هنا أن هذه الآية تقرأ فيها (ربما) بالتخفيف وبالتشديد، فتقرأ بالتخفيف على (رُبَ) كما هو بين يديك في المصحف، وتقرأ بالتشديد (رُبَمَا) وكلتا القراءتين صحيحة، وكل منهما لها وجه عند العرب في كلامها.
أما المعنى: فإن هذا القول حكاه الله جل وعلا عن أهل الكفر، فالله يقول: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر: ٢]
و Q متى يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين؟ اتفق العلماء على أن هذا لا يقع إلا إذا عاينوا حقيقة الأمر، فيودون لو أنهم كانوا مسلمين.
ثم اختلفوا -أي: العلماء رحمهم الله- في وقت معاينتهم الحقيقة على ثلاثة أقوال: القول الأول: إذا احتضر الكافر، فإنه يود لو كان مسلماً، وهذا محتمل؛ ولكنه أضعف الأقوال، ولا نجزم ببطلانه.
القول الثاني: عندما يرون النار، وهذا يدل عليه قول ربنا جل وعلا: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ٢٧] فآية الأنعام تشهد للقول بأنه يقع هذا القول من أهل الكفر عند رؤية النار.
القول الثالث: أنه عندما يخرج الله جل وعلا عصاة المؤمنين الموحدين من النار يقول الكفار هذه الكلمة، وهذا القول أرجح الأقوال والله أعلم، وله آثار من السنة يعضد بعضها بعضاً.
فالله جل وعلا -كما هو معلوم- حكم ألا يخلد في النار من مات لا يشرك به شيئاً، فعصاة الموحدين آخر أمرهم إلى الجنة، فإذا اجتمع عصاة المؤمنين مع الكفار في النار يقول أهل الكفر لأهل الإيمان: ما الفرق بينا وبينكم؟! أنتم أسلمتم وآمنتم وكفرتم باللات والعزى، ونحن آمنا باللات والعزى، فما نفعكم إيمانكم ولا تصديقكم شيئاً، فنحن وأنتم في النار! فيخرج الله جل وعلا بعدها عصاة الموحدين الذين يقال لهم الجهنميون إلى الجنة، فإذا اخرجوا إلى الجنة يقع قول الله جل وعلا: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر: ٢].