تأملات في قوله تعالى: (ويستعجلونك بالسيئة)
قال الله جل وعلا: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ﴾ [الرعد: ٦].
الخطاب هنا لكفار مكة، يستعجلون النبي ﷺ بإنزال العذاب، وهذا الاستعجال بإنزال العذاب قد دل عليه القرآن في غير آية، منها: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ﴾ [العنكبوت: ٥٣]، ومنها: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ [الحج: ٤٧]، ومنها: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦].
ومنها: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢]، إلى غير ذلك من الآيات.
إذاً: فكانوا يستعجلون النبي ﷺ بالعذاب، والله يقول: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الرعد: ٦]، إذاً ما السيئة هنا؟ هي العقوبة والعذاب، وليس عمل السيئات.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَدْ خَلَتْ﴾ [الرعد: ٦]، أي: مضت وانتهت وغبرت، ﴿مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ﴾ [الرعد: ٦].
المثلات: جمع مثلة، والمقصود: العقوبة، والمعنى: أن قد مرت عليهم عقوبات أمم سمعوا عنها وأدركوها، كعقوبته جل وعلا وتنكيله بقوم نوح وعاد وثمود ومدين، وسائر الأمم التي سلفت، فهذا يستوجب أن يكون باعثاً لهم على الخير والاتعاض، وعلى عدم استعجال عذاب الله، لكن أصروا على العناد، ودفعهم ذلك إلى أن يطلبوا ما عند الله من العذاب، ولذلك قال الله ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرعد: ٦].


الصفحة التالية
Icon