تأملات في قوله تعالى: (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً)
الوقفة الأخيرة مع قول الرب تبارك وتعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: ٢٦].
لما ذكر الله جل وعلا تعلق أهل الإشراك بأصنامهم أخبر الله جل وعلا أن الشفاعة شيء عظيم حتى الملائكة وهم ملائكة لا يشفعون إلا بشروط فكيف بأصنامكم! وهذا درس في العقيدة، والعقيدة تؤخذ أول ما تؤخذ من القرآن، وأنا أكثر من الاستشهاد بالإمام الشنقيطي رحمه الله؛ لأنه كان عالماً بحق، كان يعلم كثيراً في اللغة والمنطق والبلاغة والفقه، لكن إذا جلس في الحرم لا يدرس إلا التفسير.
يقول تلميذه الشيخ عطية رحمه الله: سألته لماذا لا تدرس إلا التفسير؟ فقال: كل العلوم مردها إلى القرآن.
وعلى هذا الأسلوب الذي قاله الشنقيطي رحمه الله سنتكلم عن العقيدة في باب الشفاعة عن قول الله جل وعلا: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا﴾ [النجم: ٢٦].
الشفاعة في المعنى الاصطلاحي: طلب الخير للغير إما بدفع مضرة، أو بجلب منفعة.
والشفاعة في الآخرة قسمان: شفاعة باطلة، وشفاعة صحيحة، فأما الشفاعة الباطلة فكما يزعمه من يعبد الأصنام أن أصناهم تنفع، وهذا باطل.
والشفاعة الصحيحة: ما اجتمع فيها شرطان: إذن الله للشافع مع الرضا، ورضاه عن المشفوع له، قال الله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: ٢٦]، فذكر الله الإذن وذكر الرضا، و (كم) هذه تسمى خبرية، وأختها كم الاستفهامية، وكم الاستفهامية تحتاج إلى جواب، وأما كم الخبرية فلا تحتاج إلى جواب إلا إنك تخبر عن كثرة، قال الفرزدق: كم خالة لك يا جرير وعمة فدعاء قد حلبت علي عشاري وهي في الآية أيضاً كناية عن الكثرة، قال الله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: ٢٦].


الصفحة التالية
Icon