تفسير قوله تعالى: (وإن لكم في الأنعام لعبرة)
أما الآيات التي نريد أن نقف بعد ذلك عندها فهي قول ربنا جل وعلا: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ * وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ٦٦ - ٦٧].
الأنعام لفظ جاء على جمع تكسير، وجمع التكسير عند العرب يجوز فيه تأنث فعله وضميره وتذكيرهما، تقول: قالت العرب وقال العرب، وتقول: قامت النساء وقامت النساء، وقامت الرجال وقام الرجال.
فالله تعالى هنا يقول: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦]، ولم يقل: مما في بطونها لما ذكرنا.
قال تعالى: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦].
قوله تعالى: (سائغاً) جزم القرطبي رحمه الله في تفسيره له بأنه لم يشرق أحد باللبن، رغم أنه يمكن أن يشرق الإنسان بالماء؛ لأن الله جل وعلا يقول وهو أصدق القائلين: ﴿سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦]، وهذا اللبن يتكون من أخبث شيئين في بطون الأنعام، وهما الفرث بعفونته والدم بلونه، فيخرج الله جل وعلا منهما اللبن بقدرته، ولذلك نسب الفعل إلى ذاته العلية فقال: (نسقيكم) فلا الفرث يؤثر بالعفونة ولا الدم يؤثر باللون، فيخرج اللبن أبيض ليس فيه رائحة العفونة ولا اللون الأحمر، خالصاً سائغاً للشاربين؛ لأن يد ابن آدم لم تدخل فيه.