تفسير قوله تعالى: (ينزل الملائكة بالروح من أمره)
ثم قال تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: ٢].
كلمة (الروح) وردت في القرآن كثيراً، ولكن القرائن تدل على المعنى، فقول الله جل وعلا: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٦ - ١٧] هذه قرينة على أن المقصود بالروح جبريل، وقد يقصد به ملك غير جبريل، ولكن ظاهر السنة على أنه جبريل، فالمقصود به هنا أحد الملائكة، فقول الله: ((فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)) قرينة على أن المقصود بالروح هنا جبريل أو ملك من الملائكة، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥] فهنا الروح جاءت مبهمة، واختلف العلماء فيها اختلافاً كثيراً، وظاهر الآية أن المقصود بها الروح التي في أجساد بني آدم.
وهنا يقول الله: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل: ٢]، فالملائكة تنزل بهذا الروح، ولا نعرف ما هو الروح، ولكن سنفسره بالقرآن، فالقرآن يتمم بعضه بعضاً ويفسر بعضه بعضاً، فالله يقول لنبيه: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ﴾ [الشورى: ٥٢]، وقال: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ﴾ [غافر: ١٥]، ففي الآيتين دلالة على أن المقصود الوحي الذي تنزل به الملائكة على النبي المختار من الله.
فالمقصود بالروح هنا الوحي، وإنما سمي الوحي روحاً لأنه حياة للأرواح، كما أن الغذاء حياة الأبدان، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: ٥٢].
وقول الله: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ﴾ [النحل: ٢] هذا إجمال، ولكن دلت السنة على أن الموكل بنزول الوحي هو جبريل عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon