بيان المراد بالعدل والإحسان
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بقول الله جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: ٩٠]، فالمشهور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن العدل: (لا إله إلا الله)، والإحسان: بقية الفرائض، وهذا مرجوح عند كثير من العلماء.
وذهب البعض إلى أن العدل هو الفرائض، والإحسان هو النوافل، وقال سفيان بن عيينة أحد مشاهير المحدثين الكبار: العدل استواء السريرة والعلانية، والإحسان: أن تكون سريرة المرء خير من علانيته، وهذا أمر -بصرف النظر عن كونه يطابق معنى الآية أو لا يطابقها- دونه خرط القتاد، فهو أمر صعب، قلما يرقى إليه أحد.
ونقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن العدل هو الإنصاف، والإحسان هو التفضل، وهذا -فيما يبدو والله أعلم- أظهر الأقوال، وجميع الأقوال السابقة يمكن إدخالها في قول علي رضي الله عنه وأرضاه؛ لأننا إذا قلنا: إن العدل هو الإنصاف؛ فلا ريب في أن من أعظم الإنصاف ألا تعبد إلا الله، فدخل فيه قول ابن عباس: إنه (لا إله إلا الله)، كما يدخل في قول علي هذا الإنصاف مع الناس، ويدخل في قوله رضي الله عنه وأرضاه بأن الإحسان هو التفضل من باب خفي التفضل على الناس بالعفو عنهم، وعدم الانتقام منهم.