بيان معنى قوله تعالى (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)
ثم قال جل وعلا: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل: ٩٠]، والفحشاء تكون في الأقوال، وتكون في الأفعال، وهي غالباً ما تطلق في القرآن على الأمور الأخلاقية.
وأما المنكر فهو أعم، والبغي أخص من المنكر، وعطف البغي على المنكر من باب عطف الخاص على العام؛ لأن كلمة (المنكر) يدخل فيها البغي، فقول الله جل وعلا: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل: ٩٠] يدخل فيه البغي في المنكر، ولكن الله -كما قال أهل العلم- خصص البغي بالذكر لعظيم قبحه.
والبغي: هو التجاوز والطغيان، وتجاوز الحد على العباد بسفك دم، أو بأكل مال، أو بانتهاك عرض، أو بتسلط وظيفي كما يحصل في حياة الناس المعاصرة، أو بالتسلط على أرض مجاورة، أو بأمور غير ذلك ينتقم بها الإنسان بغياً، فهذا هو البغي الذي نهى الله جل وعلا عنه، ولا يوجد مصرع أقرب من مصرع من يبغي، نعوذ بالله من ذلك كله، والله جل وعلا قال: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣]، وقال: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [يونس: ٢٣]، فضرر الباغي دائماً مرده على نفسه، والبغي أحد الذنوب التي يعجل الله جل وعلا بها العقاب على من يصنعها، والإنسان إذا أدرك وقوفه بين يدي الله حرم على نفسه البغي وعرف أن البغي مرتعه وخيم، ولم تدعه قدرته على ظلم الناس إلى أن يظلمهم، ومن تذكر قدرة الله عليه أحجم عن أن يظلم غيره، وقد يكون البغي بكلمة تنقل عنك فتشاع فتثبت على أخ لك في الله، هو بريء كل البراءة مما قلت، وقد يكون البغي بسفك دم، وقد يكون باقتطاع أرض، أو بغير ذلك، فهو -والعياذ بالله- من أعظم ما نهى الله جل وعلا عنه.
قال تعالى: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٩٠]، والله جل وعلا يعظ عباده ويؤدب خلقه، ويرشدهم إلى ما فيه الأمثل.