تفسير قوله تعالى: (ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً)
قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [هود: ٢٩ - ٣١].
في هذه الآيات بيان كيفية دعوة الأنبياء، وهذا من أعظم الفقه في الدعوة، فأي نبي كان يحرص وهو يدعوا الناس على أن يبين أنه لا يريد من الناس أن يتبعوه لشخصه، وإنما يتبعونه لأنه يبلغ عن الله، ولهذا قال نوح عليه السلام: ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [هود: ٣١] أي: فتتبعونني رجاء أن أعطيكم، فلا أريدكم أن تتبعوني من أجل هذا الأمر ﴿وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ [هود: ٣١] فتفرحون فتقولون: هذا يعلم الغيب، فنتبعه حتى يبين لنا مستقبل أيامنا ﴿وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [هود: ٣١] أي: ولا أقول: إنني من جنس أفضل من جنسكم.
فكان ينأى عن أن يشعر قومه بأنه له فضل عليهم غير فضل النبوة وفضل الهداية وفقه الأمر كله قائم على أن أنبياء الله لا يريدون من الناس أن يتبعوهم لذواتهم، وإنما يتبعونهم لأنهم يبلغون عن الله.