تأملات قرآنية في قصة إبراهيم مع ابن أخيه لوط عليهما السلام
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته، فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبياً عن أمته، اللهم صلّ وسلم وبارك وأنعم عليه، وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره، وتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني حول تأملات قرآنية في سورة هود، بلغنا الله العلم بكتابه والعمل به، وكنا قد شرعنا في اللقاء الماضي مبينين، أن هذه السورة مكية إلا بعض آياتها، وذكرنا أن النبي ﷺ صح عنه قوله: (شيبتني هود وأخواتها)، وقلنا: هذا إجمال فسرته رواية أخرى.
وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (شيبتني هود والواقعة والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت).
وقلنا: إن الجامع بين ذلك كله، هو أنها تتحدث عن أهوال اليوم الآخر، كما ذكرنا في تعليقاتنا، أن الله جل وعلا قال فيها: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٥ - ١٦]، وقلنا: إن هذا إطلاق، وهذا الإطلاق قيده قول الرب تبارك وتعالى في سورة الإسراء: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٨]، وقلنا: من قواعد العلم عند أهل الأصول: أن المطلق والمقيد له أربعة أنواع: الحالة الأولى: يتفق فيها السبب والحكم، وهذا يحمل فيه المطلق على المقيد.
والحالة الثانية: يختلف فيها الحكم ويتحد السبب، وهذه مسألة خلافية، والحالة الثانية: يتحد الحكم ويختلف السبب، وهذه كذلك مسألة خلافية، والرابعة: أن يختلف السبب والحكم، وهذه اتفقوا على أنها لا يحمل المطلق فيها على المقيد هذا بعض ما ذكرناه في اللقاء الماضي.
وفي هذا الدرس سنختار التعليق على كلمات أو آيات هي في الغالب مظنة إشكال عند من يقرأ القرآن، وبعض الآيات سوف نعرج على الفوائد التي فيها.
والمهم هو الشيء الذي يثير الإشكال عند من يسمعه، فتنزيل الإشكال قدر الإمكان، قال الله جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩]، المقصود بالرسل هنا الملائكة، والملائكة كانت ذاهبة إلى قوم لوط للعذاب، فمرت على إبراهيم عليه السلام قبل أن تذهب إلى لوط، ولوط ابن أخ إبراهيم.
فإبراهيم عم للوط نسباً -وبمثابة الوالد حقيقة؛ لأن الله قال: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦]، فبعث الله لوطاً نبياً في حياة إبراهيم، بعثه إلى قرية سدوم، وحصلت منهم الفاحشة كما سيأتي، فجاءت الملائكة بالعذاب على أهل سدوم، وهم مارون في طريقهم إلى القرية مروا على إبراهيم بالبشارة، قال الله جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ [هود: ٦٩]، البشرى هنا: المقصود بها -إجماعاً- البشارة بالولد إسحاق، قال الله: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] وهذا ظاهر، والعلماء يقولون: كون إبراهيم يولد له وهو في هذا السن، وكون سارة يولد لها وهي في هذا السن مع كونها عاقراً منذ أن خلقت هذا يقال له: معجزة نبي وكرامة ولي، نظيره زكريا، فإن زكريا رزق ولداً كما رزق إبراهيم على كبر، فهي بالنسبة لزكريا معجزة وبالنسبة لزوجته كرامة؛ لأن المعجزة تلحق بالرسول والكرامة تلحق بالأولياء.


الصفحة التالية
Icon