بيان عنت اليهود
أما الآيات التي سنتكلم عنها تفصيلا فهي قول الله جل وعلا: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٥٣]، إلى قول الله عز وجل: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣].
فنقول مستعينين بالله عز وجل: سبق أن بينا شيئاً من جرائم اليهود في سورة آل عمران، وفي هذا السياق يخبر الله جل وعلا عن تاريخ اليهود إجمالاً، فلا يختص هذا السياق بمرحلة دون غيرها، فالجرائم التي سيذكرها القرآن الآن وسنفسرها إجمالاً لا تتعلق بمرحلة زمنية معينة، فمنذ بعثة موسى عليه الصلاة والسلام وإنزال التوراة إلى عهد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام مضى أكثر من ألف عام، وخلال ذلك كان اليهود يعيشون، فبعث إليهم بين موسى وعيسى أنبياء، ثم بعث إليهم عيسى عليه الصلاة والسلام وأعطاه الله الإنجيل، ولم يبعث أحد بعد عيسى إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعبر هذا التاريخ يذكر الله جل وعلا جملة من الخبث الملازم لليهود في تعاملهم مع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فالله يقول لنبيه: هؤلاء المعشر الذين يعاصرونك الآن من اليهود يطلبون منك كتاباً ينزل جملة، حيث قالوا: إن موسى جاءته التوراة جملة واحدة، فنحن -يا محمد- لن نؤمن بك حتى تنزل علينا كتاباً جملة واحدة، كما أنزلت التوراة على موسى جملة، فرد الله جل وعلا عليهم فقال لنبيه من باب التعزية: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣]، فلا تعجب -يا نبينا- ولا تستغرب من هذا الطلب؛ لأنهم قد طلبوا طلبا أكبر منه، وهو طلبهم من موسى يوم قالوا له: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: ٥٥]، وهذا والقرآن يفسر بعضه بعضاً، فهذا الطلب ذكره الله مفصلاً في سورة البقرة، حيث قال الله جل وعلا: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٥ - ٥٦]، فهذا أول وأعظم طلبهم، وفيه من الجرأة على الله جل وعلا ما لا يخفى.
قال تعالى: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٣]، فلما طلبوا هذا الطلب أهلكهم الله بالموت، ثم رحمهم تبارك وتعالى وأحياهم بعدما أماتهم، كما قال جل وعلا في سورة البقرة: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٦]، وهذا صريح في أن الله أماتهم ثم أحياهم، وقد قال بعض العلماء من المفسرين: إن إماتتهم وإحياءهم كانا في يوم وليلة.