لجواز اجتماع ذلك في حالٍ واحدٍ من شخص واحد. فقائل ذلك صادق إذا كان صاحبه على ما وصفه به.
فكذلك ما قلنا -في الأحرف التي ذكرنا وما أشبهها- غيرُ مستحيل أن يكون عربيًّا بعضها أعجميًّا، وحبشيًّا بعضها عربيًّا، إذ كان موجودًا استعمالُ ذلك في كلتا الأمتين. فناسِبُ ما نَسبَ من ذلك إلى إحدى الأمتين أو كلتيهما محقٌّ غيرُ مبطل.
فإن ظن ذو غباءٍ أن اجتماع ذلك في الكلام مستحيلٌ -كما هو مستحيل في أنساب بني آدم- فقد ظنّ جهلا. وذلك أن أنساب بني آدم محصورة على أحد الطرفين دون الآخر، لقول الله تعالى ذكره: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [سورة الأحزاب: ٥]. وليس ذلك كذلك في المنطق والبيان، لأنّ المنطق إنما هو منسوب إلى من كان به معروفًا استعمالُه. فلو عُرِف استعمالُ بعض الكلام في أجناس من الأمم -جنسين أو أكثر- بلفظ واحد ومعنى واحد، كان ذلك منسوبًا إلى كل جنس من تلك الأجناس، لا يستحق جنسٌ منها أن يكون به أولى من سائر الأجناس غيره. كما لو أنّ أرضًا بين سَهل وجبل، لها هواء السهل وهواء الجبل، أو بين برٍّ وبحرٍ، لها هواء البر وهواءُ البحر- لم يمتنع ذو عقل صحيح أن يصفها بأنها سُهْلية جبلية (١). أو بأنها بَرِّية بِحْرية، إذ لم تكن نسبتها إلى إحدى صفتيها نافيةً حقَّها من النسبة إلى الأخرى. ولو أفردَ لها مفردٌ إحدى صفتيها ولم يسلبها صفتها الأخرى، كان صادقًا محقًّا.
وكذلك القول في الأحرف التي تقدم ذكرناها في أول هذا الباب.
وهذا المعنى الذي قلناه في ذلك، هو معنى قول من قال: في القرآن من كل لسان- عندنا بمعنى، والله أعلم: أنّ فيه من كلّ لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به، نظيرَ ما وصفنا من القول فيما مضى.