عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،"أولئك على هدى من ربهم": أي على نور من ربهم، واستقامة على ما جاءهم (١).
* * *
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) ﴾
وتأويل قوله:"وأولئك هم المفلحون" أي أولئك هم المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله، من الفوز بالثواب، والخلود في الجنان، والنجاة مما أعد الله تبارك وتعالى لأعدائه من العقاب. كما:-
٢٩٤- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الذين أدْركوا ما طلبوا، ونجَوْا من شرّ ما منه هَرَبُوا.
ومن الدلالة على أن أحد معاني الفلاح، إدراكُ الطَّلِبة والظفر بالحاجة، قول لبيد بن ربيعة:

اعْقِلِي، إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي، وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقَلْ (٢)
يعني ظَفِر بحاجته وأصابَ خيرًا، ومنه قول الراجز:
عَدِمتُ أُمًّا ولَدتْ رِياحَا... جَاءَتْ بِهِ مُفَرْكَحًا فِرْكَاحَا (٣) تَحْسِبُ أَنْ قَدْ وَلَدَتْ نَجَاحَا!... أَشْهَدُ لا يَزِيدُهَا فَلاحَا
يعني: خيرًا وقربًا من حاجتها. والفلاحُ مصدر من قولك: أفلح فلان يُفلح إفلاحًا وفلاحًا وفَلَحًا. والفلاح أيضًا: البقاءُ، ومنه قول لبيد:
نَحُلُّ بِلادًا، كُلُّهَا حُلَّ قَبْلَنَا وَنَرْجُو الْفَلاحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرِ (٤)
يريد البقاء، ومنه أيضًا قول عَبيد:
أَفْلِحَ بِمَا شِئْتَ، فَقَدْ يُدْرَكُ بِالضَّـ ـعْفِ، وَقَدْ يُخْدَعُ الأَرِيبُ (٥)
يريد: عش وابقَ بما شئت، وكذلك قول نابغة بني ذبيان:
وَكُلُّ فَتًى سَتَشْعَبُهُ شَعُوبٌ وَإِنْ أَثْرَى، وَإِنْ لاقَى فَلاحًا (٦)
أي نجاحًا بحاجته وبَقاءً.
* * *
(١) الخبر ٢٩٣- ذكره ابن كثير ١: ٨١ مع تتمته الآتية: ٢٩٤.
(٢) ديوانه ٢: ١٢، والخطاب في البيت لصاحبته.
(٣) البيت الثاني في اللسان (فركح). والفركحة: تباعد ما بين الأليتين. والفركاح والمفركح منه، يعني به الذم وأنه لا يطيق حمل ما يحمَّل في حرب أو مأثرة تبقى.
(٤) ديوانه القصيدة رقم: ١٤، يرثى من هلك من قومه.
(٥) ديوانه: ٧، وفي المطبوعة والديوان"فقد يبلغ"، وهما روايتان مشهورتان.
(٦) من قصيدة ليست في زيادات ديوانه منها إلا أبيات ثلاثة، ليس هذا أحدها. وشعوب: اسم للمنية والموت، غير مصروف، لأنها تشعب الناس، أي تصدعهم وتفرقهم. وشعبته شعوب: أي حطمته من ألافه فذهبت به وهلك.


الصفحة التالية
Icon