وهذه الآية من أوْضحِ الدليل على فساد قول المنكرين تكليفَ ما لا يُطاق إلا بمعونة الله، لأن الله جل ثناؤه أخبرَ أنه ختم على قلوب صِنْف من كُفَّار عباده وأسماعهم، ثم لم يُسقط التكليف عنهم، ولم يَضَعْ عن أحدٍ منهم فرائضَه، ولم يعذِرْهُ في شيء مما كان منه من خلاف طاعته بسبب ما فعل به من الختم والطبع على قلبه وسمعه - بَلْ أخبر أن لجميعِهم منه عذابًا عظيما على تركِهم طاعتَه فيما أمرهم به ونهاهم عنه من حدوده وفرائضه، مع حَتْمه القضاءَ عليهم مع ذلك، بأنهم لا يؤمنون.
* * *
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾
قال أبو جعفر: وقوله (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) خبرٌ مبتدأ بعد تمام الخبر عمَّا ختم الله جلَّ ثناؤه عليه من جوارح الكفّار الذين مضت قِصَصهم. وذلك أن"غِشاوةٌ" مرفوعة بقوله"وعلى أبصارهم"، فذلك دليل على أنه خَبرٌ مبتدأ، وأن قوله"ختم الله على قلوبهم"، قد تناهى عند قوله"وعلى سمْعهم".
وذلك هو القراءة الصحيحة عندنا لمعنيين:
أحدهما: اتفاق الحجة من القُرَّاء والعلماء على الشهادة بتصحيحها، وانفرادُ المخالف لهم في ذلك، وشذوذه عمّا هم على تَخطئته مجمعون. وكفى بإجماع الحجة على تخطئة قراءته شاهدًا على خطئها.
والثاني: أنّ الختمَ غيرُ موصوفةٍ به العيونُ في شيء من كتاب الله، ولا في خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا موجودٍ في لغة أحد من العرب. وقد قال تبارك وتعالى في سورة أخرى: (وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ)، ثم قال: (وَجَعَلَ


الصفحة التالية
Icon