هَلا سَأَلْتِ بَنِي ذُبيَان مَا حَسَبي إذَا الدُّخانُ تَغَشَّى الأشمَط البَرَمَا (١)
يعني بذلك: تجلّله وَخالطه.
وإنما أخبر الله تعالى ذكره نبيه محمدًا ﷺ عن الذين كفروا به من أحبار اليهود، أنه قد خَتَم على قلوبهم وطَبَع عليها - فلا يعقلون لله تبارك وتعالى موعظةً وعظهم بها، فيما آتاهم من علم ما عندهم من كُتبِه، وفيما حدَّد في كتابه الذي أوحاه وأنزله إلى نبيّه محمد ﷺ - وعلى سمعهم، فلا يسمَعُون من محمد ﷺ نبيِّ الله تحذيرًا ولا تذكيرًا ولا حجةً أقامها عليهم بنبوَّته، فيتذكُروا ويحذروا عقاب الله عز وجلّ في تكذيبهم إياه، مع علمهم بصدقه وصحّة أمره. وأعلمه مع ذلك أنّ على أبصارهم غشاوةً عن أن يُبصروا سبيل الهُدَى، فيعلموا قُبْحَ ما هم عليه من الضلالة والرَّدَى.
وبنحو ما قلنا في ذلك، رُوي الخبر عن جماعة من أهل التأويل:
٣٠٧- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)، أيْ عن الهدى أن يُصيبوه أبدًا بغير ما كذبوك به من الحقّ الذي جاءك من ربِّك، حتى يؤمنوا به، وإن آمنوا بكل ما كان قبلك (٢).
٣٠٨- حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرّة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول
(١) ديوانه: ٥٢. والأشمط: الذي شاب رأسه من الكبر، والبرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر. قال ابن قتيبة في المعاني الكبير ٤١٠، ١٢٣٨: "وإنما خص الأشمط، لأنه قد كبر وضعف، فهو يأتي مواضع اللحم".
(٢) الخبر ٣٠٧- ذكره السيوطي ١: ٢٩ متصلا بما مضى: ٢٩٥، ٢٩٩ وبما يأتي: ٣١١. ساقها سياقًا واحدًا.


الصفحة التالية
Icon