١٨- حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن علي بن أبي علي، عن زبيد، عن علقمة النخعي، قال: لما خرج عبد الله بن مسعود من الكوفة اجتمع إليه أصحابه فودّعهم، ثم قال: لا تنازَعُوا في القرآن، فإنه لا يختلفُ ولا يتلاشى، ولا يتغير لكثرة الرد. وإن شريعة الإسلام وحدودَه وفرائضه فيه واحدة، ولو كان شيء من الحرفين ينهَى عن شيء يأمر به الآخر، كان ذلك الاختلافَ. ولكنه جامعٌ ذلك كله، لا تختلف فيه الحدود ولا الفرائض، ولا شيء من شرائع الإسلام. ولقد رأيتُنا نتنازع فيه عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمرنا فنقرأ عليه، فيخبرنا أن كلَّنا محسنٌ. ولو أعلمُ أحدًا أعلم بما أنزل الله على رسوله منى لطلبته، حتى أزدادَ علمَه إلى علمي. ولقد قرأتُ من لسانِ رسول الله ﷺ سبعين سورة، وقد كنت علمت أنه يُعْرَض عليه القرآنُ في كل رمضان، حتى كانَ عامُ قُبض، فعرض عليه مرّتين، فكان إذا فرغ أقرأ عليه فيخبرني أني محسنٌ. فمن قرأ على قراءتي فلا يدعنَّها رغبة عنها، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يَدعنَّه رغبة عنه، فإنه من جحد بآية جحد به كله (١).
أولاهما: "علي بن أبي علي"، وهو "اللهبي"، من ولد أبي لهب. قال البخاري في التاريخ الصغير: ١٩٦، وفي الضعفاء: ٢٥: "منكر الحديث، لم يرضه أحمد". وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: ٣ ١ ١٩٧: "سألت أبي عن علي بن أبي علي اللهبي؟ فقال: منكر الحديث، تركوه". وقال: "سئل أبو زرعة عن علي بن أبي علي الهاشمي؟ فقال: هو من ولد أبي لهب، وهو مديني ضعيف الحديث، منكر الحديث". وقال ابن حبان في الضعفاء: ٣١٥ "يروي عن الثقات الموضوعات، وعن الأثبات المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به".
وثانيتهما: أن "زبيد بن الحرث اليامي" لم يدرك علقمة ولم يرو عنه، إنما يروي عن الطبقة الراوية عن علقمة، فروايته عنه هنا منقطعة، إن صح الإسناد إليه فيها، ولم يصح قط.
وقد جاء نحو هذا الحديث عن ابن مسعود، من وجه آخر ضعيف أيضًا: فرواه أحمد في المسند رقم: ٣٨٤٥ مطولا، من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن عابس، قال: "حدثنا رجل من همدان، من أصحاب عبد الله، وما سماه لنا" إلخ. وهذا مجهول الراوي عن ابن مسعود، فلا يكون صحيحًا. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا ٧: ١٥٣، وقال: "رواه الإمام أحمد في حديث طويل، والطبراني، وفيه من لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح".
قال أخي السيد محمود محمد شاكر: ولفظ المسند: "إن هذا القرآن لا يختلف، ولا يستشن، ولا يتفه لكثرة الرد". و "استشن": بلى وصار خلقًا كالشن البالي، وهو القربة البالية. وقوله "لا يتفه": لا يصير تافهًا، التافه: الحقير. وكل كلام رددت قراءته نفدت معانيه وضعف أثره إلا القرآن. وأما قوله في رواية الطبري هنا "ولا يتلاشى"، فقد قال أهل اللغة إنه مولد من "لا شيء"، كأنه اضمحل حتى صار إلى لا شيء. ومجيئه في هذا الحبر غريب.
أقول: وإذ تبين أن راويه "علي بن أبي علي اللهبي" ممن يصطنع الأحاديث ويروي عن الثقات الموضوعات، كما قال ابن حبان، فلا يبعد أن يقول هذه الكلمة المولدة من عند نفسه. وهو متأخر أدرك عصر التوليد، فقد أرخه البخاري في باب من مات بين سنتي ١٧٠-١٨٠.