وقرأ قول الله: (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [سورة الأحزاب: ٧]. قال: يومئذ. قال: وقرأ قول الله: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (١) [سورة المائدة: ٧].
قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال التي حكيناها عمن روَيناها عنه، وجه ومذهبٌ من التأويل.
* * *
فأما وجه تأويل من تأول قوله:"كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم"، أي لم تكونوا شيئًا، فإنه ذهب إلى نحو قول العرب للشيء الدارس والأمر الخامل الذكر: هذا شيء ميِّتٌ، وهذا أمر ميِّت - يراد بوصفه بالموت: خُمول ذكره، ودُرُوس أثره من الناس. وكذلك يقال في ضد ذلك وخلافه: هذا أمر حيّ، وذكر حيٌّ - يراد بوصفه بذلك أنه نابه مُتعالم في الناس، كما قال أبو نُخَيْلة السعديّ:

فَأَحْيَيْتَ لِي ذكْري، وَمَا كُنْتُ خَامِلا وَلَكِنَّ بَعْضَ الذِّكْرِ أَنْبَهُ مِنْ بَعْضٍ (٢)
يريد بقوله:"فأحييتَ لي ذكري"، أي: رفعته وشهرته في الناس حتى نبه فصار مذكورًا حيًّا، بعد أن كان خاملا ميتًا. فكذلك تأويل قول من قال في قوله:"وكنتم أمواتًا" لم تكونوا شيئًا، أي كنتم خُمولا لا ذكر لكم، وذلك كان موتكم فأحياكم، فجعلكم بَشرًا أحياء تُذكرون وتُعرفون، ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم، كالذي كنتم قبل أن يحييكم، من دروس ذكركم، وتعفِّي آثاركم، وخمول أموركم، ثم يحييكم بإعادة أجسامكم إلى هيئاتها، ونفخ الروح فيها،
(١) الأثر: ٥٨٦- في ابن كثير ١: ١٢٢، والشوكاني ١: ٤٧، مختصرًا جدًا.
(٢) الأغاني ١٨: ١٤٠، والمؤتلف والمختلف للآمدي: ١٩٣، وأبو نخيلة اسمه لا كنيته، كما قال أبو الفرج، ويقال اسمه: يعمر بن حزن بن زائدة، من بني سعد بن زيد مناة، وكان الأغلب عليه الرجز، وله قصيد قليل، وكان عاقًّا بأبيه، فنفاه أبوه عن نفسه. والبيت من أبيات، يمدح بها مسلمة بن عبد الملك.


الصفحة التالية
Icon