في المنيبين إليه بالتوبة، وقضائه في المستكبرين عن الإنابة، إعذارًا من الله بذلك إليهم، وإنذارًا لهم، ليتدبروا آياته وليتذكر منهم أولو الألباب. وخاصًّا أهلَ الكتاب - بما ذَكر من قصص آدم وسائر القصص التي ذكرها معها وبعدها، مما علمه أهل الكتاب وجهلته الأمة الأميَّة من مشركي عبَدة الأوثان -بالاحتجاج عليهم- دون غيرهم من سائر أصناف الأمم، الذين لا علم عندهم بذلك - لنبيه محمد ﷺ (١)، ليعلموا بإخباره إياهم بذلك، أنه لله رسولٌ مبعوث، وأن ما جاءهم به فمن عنده، إذْ كان ما اقتص عليهم من هذه القصص، من مكنون علومهم، ومصون ما في كتبهم، وخفيّ أمورهم التي لم يكن يدّعي معرفة علمها غيرُهم وغيرُ من أخذ عنهم وقرأ كتبهم.
* * *
وكان معلومًا من محمد ﷺ أنه لم يكن قط كاتبًا، ولا لأسفارهم تاليًا، ولا لأحد منهم مصاحبًا ولا مجالسًا، فيمكنهم أن يدّعوا أنه أخذ ذلك من كتبهم أو عن بعضهم، فقال جل ذكره - في تعديده عليهم ما هم فيه مقيمون من نعمه، مع كفرهم به، وتركهم شكرَه عليها بما يجب له عليهم من طاعته-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة البقرة: ٢٩]. فأخبرهم جل ذكره أنه خلق لهم ما في الأرض جميعًا، لأنّ الأرضّ وجميعَ ما فيها لبني آدم منافعُ. أما في الدين، فدليلٌ على وحدانية ربهم، وأما في الدنيا فمعاشٌ وبلاغ لهم إلى طاعته وأداء فرائضه.
فلذلك قال جل ذكره:"هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا".