(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) [سورة فصلت: ١١]. والاستواء كان بعد أن خلقها دُخانًا، وقبل أن يسوِّيَها سبعَ سموات.
وقال بعضهم: إنما قال:"استوى إلى السّماء"، ولا سماء، كقول الرجل لآخر:"اعمل هذا الثوب"، وإنما معه غزلٌ.
وأما قوله"فسواهن" فإنه يعني هيأهن وخلقهن ودبَّرهن وقوَّمهن. والتسوية في كلام العرب، التقويم والإصلاح والتوطئة، كما يقال: سوَّى فلان لفلان هذا الأمر. إذا قوّمه وأصلحه وَوَطَّأه له. فكذلك تسوية الله جل ثناؤه سمواته: تقويمه إياهن على مشيئته، وتدبيره لهنّ على إرادته، وتفتيقهنّ بعد ارتتاقهنّ (١).
٥٨٩- كما: حُدِّثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس:"فسوَّاهن سبع سموات" يقول: سوّى خلقهن،" وهو بكل شيء عليم (٢).
وقال جل ذكره:"فسواهن"، فأخرج مكنِيَّهن مخرج مكنيِّ الجميع (٣)، وقد قال قبلُ:"ثم استوى إلى السماء" فأخرجها على تقدير الواحد. وإنما أخرج مكنيَّهن مخرج مكنيِّ الجمع، لأن السماء جمع واحدها سماوة، فتقدير واحدتها وجميعها إذا تقدير بقرة وبقر ونخلة ونخل، وما أشبه ذلك. ولذلك أنِّثت مرة فقيل: هذه سماءٌ، وذُكِّرت أخرى (٤) فقيل: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [سورة المزمل: ١٨]،
(٢) الأثر: ٥٨٩- في الدر المنثور ١: ٤٣، وهو من تمام الأثر السالف: ٥٨٨.
(٣) المكني: هو الضمير، فيما اصطلح عليه النحويون، لأنه كناية عن الذي أخفيت ذكره. وفي المطبوعة: "الجمع" مكان"الجميع" حيث ذكرت في المواضع الآتية في هذه العبارة.
(٤) في المطبوعة: "أنث السماء... وذكر" بطرح التاء.