سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين - في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض -"وأوحى في كل سماء أمْرها" قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها، من البحار وجبال البَرَد وما لا يُعلم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينةً وحِفظًا، تُحفظُ من الشياطين. فلما فرغ من خلق ما أحبّ، استوى على العرش. فذلك حين يقول: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [سورة الأعراف: ٥٤]. ويقول: (كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) (١) [سورة الأنبياء: ٣٠].
٥٩٢- وحدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:"هوَ الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء". قال: خلق الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرضَ ثار منها دخان، فذلك حين يقول:"ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات". قال: بعضُهن فوق بعض، وسبعَ أرضين، بعضُهن تحت بعض (٢).

(١) الخبر: ٥٩١- في ابن كثير ١: ١٢٣، والدر المنثور ١: ٤٢ - ٤٣، والشوكاني ١: ٤٨. وقد مضى الكلام في هذا الإسناد، واستوعب أخي السيد أحمد شاكر تحقيقه في موضعه (انظر الخبر: ١٦٨)، وقد مضى أيضًا قول الطبري، حين عرض لهذا الإسناد في الأثر رقم: ٤٦٥ ص: ٣٥٣: "فإن كان ذلك صحيحًا، ولست أعلمه صحيحًا، إذ كنت بإسناده مرتابًا.. ". وقد مضى الطبري في تفسيره على رواية ما لم يصح عنده إسناده، لعلمه أن أهل العلم كانوا يومئذ يقومون بأمر الإسناد والبصر به، ولا يتلقون شيئًا بالقبول إلا بعد تمحيص إسناده. فلئن سألت: فيم يسوق الطبري مثل هذا الخبر الذي يرتاب في إسناده؟ وجواب ذلك: أنه لم يسقه ليحتج بما فيه، بل ساقه للاعتبار بمعنى واحد، وهو أن الله سبحانه سمك السموات السبع من دخان، ثم دحا الأرض وأرساها بالجبال، ثم استوى إلى السماء وهي دخان، فحبكهن سبعًا، وأوحى في كل سماء أمرها. وليس في الاعتبار بمثل هذا الأثر ضرر، لأن المعنى الذي أراده هو ظاهر القرآن وصريحه. وإن كان الخبر نفسه مما تلقاه بعض الصحابة عن بني إسرائيل، لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا حجة إلا فيما أنزل الله في كتابه، أو في الذي أوحى إلى نبيه مما صح عنه إسناده إليه. وكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبلناه لا نحكم فيه أحدًا، فإن قوله هو المهيمن بالحق على أقوال الرجال.
(٢) الأثر: ٥٩٢- في ابن كثير ١: ١٢٤، والدر المنثور ١: ٤٢، والشوكاني ١: ٤٨.


الصفحة التالية
Icon