منه لاَ تنام، وحاطه برُكن منه لاَ يضام، لاَ تَهِي على الأيام دعائمه، ولا تبيد على طول الأزمان معالمه، ولا يجوز عن قصد المحجَّة تابعه (١) ولا يضل عن سُبُل الهدى مُصَاحبه. من اتبعه فاز وهُدِى، ومن حاد عنه ضلَّ وغَوَى، فهو موئلهم الذي إليه عند الاختلاف يَئِلون، ومعقلهم الذي إليه في النوازل يعقلون (٢) وحصنهم الذي به من وساوس الشيطان يتحصنون، وحكمة ربهم التي إليها يحتكمون، وفصْل قضائه بينهم الذي إليه ينتهون، وعن الرضى به يصدرون، وحبله الذي بالتمسك به من الهلكة يعتصمون.
اللهم فوفقنا لإصابة صواب القول في مُحْكَمه ومُتَشابهه، وحلاله وحرامه، وعامِّه وخاصِّه، ومجمَله ومفسَّره، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وتأويل آية وتفسير مُشْكِله. وألهمنا التمسك به والاعتصام بمحكمه، والثبات على التسليم لمتشابهه. وأوزعنا الشكر على ما أنعمتَ به علينا من حفظه والعلم بحدوده. إنك سميع الدعاء قريب الإجابة. وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما.
اعلموا عبادَ الله، رحمكم الله، أن أحقَّ ما صُرِفت إلى علمه العناية، وبُلِغت في معرفته الغاية، ما كان لله في العلم به رضًى، وللعالم به إلى سبيل الرشاد هدى، وأن أجمعَ ذلك لباغيه كتابُ الله الذي لا ريب فيه، وتنزيله الذي لا مِرْية فيه، الفائزُ بجزيل الذخر وسنىّ الأجر تاليه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حَميد (٣).
ونحن -في شرح تأويله، وبيان ما فيه من معانيه- منشئون إن شاء الله ذلك، كتابًا مستوعِبًا لكل ما بالناس إليه الحاجة من علمه، جامعًا، ومن سائر الكتب

(١) المحجة: الطريق. والقصد: استقامة الطريق وسهولته.
(٢) وأل يئل وألا ووؤولا: لجأ طلبًا للنجاة. والموئل: الملجأ والمنجى. والمعقل: الحصن المنيع في رأس الجبل، وعقل إليه يعقل عقلا وعقولا: لجأ إليه وامتنع به. وفي المطبوعة "يعتقلون"، وفي المخطوطة مثلها غير منقوطة. ولم أجد "اعتقل" بمعنى عقل. وإن صحت في قياس العربية.
(٣) تضمين آية سورة فصلت: ٤٢.


الصفحة التالية
Icon