أخبرنا أبو حمزة، عن عبد الكريم= وسئل عن أبوال الإبل= فقال: حدثني سعيد بن جبير عن المحاربين فقال: كان ناس أتوا النبي ﷺ فقالوا: نبايعك على الإسلام! فبايعوه وهم كَذَبة، وليس الإسلامَ يريدون. ثم قالوا: إنا نجتوي المدينة! (١) فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هذه اللَّقاح تغدو عليكم وتروح، (٢) فاشربوا من أبوالها وألبانها. قال: فبينا هم كذلك، إذ جاء الصريخُ، فصرخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (٣) فقال: قتلوا الراعي، وساقوا النَّعَم! فأمر نبي الله فنودي في الناس: أنْ"يا خيل الله اركبي"! (٤) قال: فركبوا، لا ينتظر فارسٌ فارسًا. قال: فركب رسول الله ﷺ على أثرهم، فلم يزالوا يطلبونهم حتى أدخلوهم مأمنَهم، فرجع صحابة رسول الله ﷺ وقد أسروا منهم، فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية. قال: فكان نفيُهم: أن نفوهم حتى أدخلوهم مأمنَهم وأرضهم، ونفوهم من أرض المسلمين. وقتل نبي الله منهم، وصلب وقَطَع، وَسَمل الأعين. قال: فما مثَّل رسول الله ﷺ قبلُ ولا بعدُ. قال: ونهَى عن المُثْلة، وقال: لا تمثِّلوا بشيء. قال: فكان أنس بن مالك يقول ذلك، غير أنه قال: أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم. (٥)
* * *

(١) "اجتوى الأرض والبلد": إذا كره المقام فيه، وإن كانت موافقة له في بدنه. ويقال: "الاجتواء": أن لا تستمرئ الطعام بالأرض والشراب، غير أنك إذ أحببت المقام بها ولم يوافقك طعامها، فأنت"مستوبل"، ولست بمجتو. ويقال في شرح حديث العرنيين: أصابهم"الجوى"، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول.
(٢) "اللقاح" (بكسر اللام) جمع"لقحة" (بكسر فسكون)، وهي ذوات الألبان من النوق.
(٣) "الصريخ" و"الصارخ": المستغيث. وقوله: "صرخ إلى رسول الله"، كأنه يعني: انتهى باستغاثته إلى رسول الله. وهو تعبير قلما تظفر به في المراجع فقيده.
(٤) قال ابن الأثير: "هذا على حذف المضاف، أراد: يا فرسان خيل الله اركبي، وهذا من أحسن المحازات وألطفها"، وهي في التنزيل: "وأجلب عليهم بخيلك ورجلك"، أي بفرسانك ورجالتك.
(٥) الأثر: ١١٨١٠-"أبو حمزة"، هو"ميمون، أبو حمزة الأعور القصاب"، ضعيف جدا، مضى برقم: ٦١٩٠.
و"عبد الكريم"، هو"عبد الكريم بن مالك الجزري: " أبو سعيد، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: ٨٩٢.


الصفحة التالية