فاجتمعوا ليرجموه، فاجتمعت الضعفاء فقالوا: لا ترجموه حتى تأتُوا بصاحبكم فترجمونهما جميعًا! فقالت بنو إسرائيل: إن هذا الأمر قد اشتد علينا، فتعالوا فلنصلحه! فتركوا الرجم، وجعلوا مكانه أربعين جَلْدة بحبل مقيَّر، ويحملونه على حمار ووجهه إلى ذنبه، (١) ويسوِّدون وجهه، ويطوفون به. فكانوا يفعلون ذلك حتى بعث النبي ﷺ وقدم المدينة، فزنت امرأة من أشراف اليهود يقال لها:"بسرة"، فبعث أبوها ناسًا من أصحابه إلى النبي ﷺ فقال: سلوه عن الزنا وما نزل إليه فيه، فإنا نخاف أن يفضحنا ويُخْبرنا بما صنعنا، فإن أعطاكم الجلد فخذُوه، وإن أمركم بالرجم فاحذروه! فأتوا رسول الله ﷺ فسألوه، فقال: الرجم! فأنزل الله عز وجل:"ومن الذين هادوا سمَّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرِّفون الكلم من بعد مواضعه"، حين حرَّفوا الرجم فجعلوه جلدًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: إن"السماعين للكذب"، هم"السماعون لقوم آخرين". (٢)
وقد يجوز أن يكون أولئك كانوا من يهود المدينة، والمسموعُ لهم من يَهُود فدك= ويجوز أن يكون كانوا من غيرهم. غير أنه أيّ ذلك كان، فهو من صفة قوٍم من يهود، سَمِعوا الكذب على الله في حكم المرأة التي كانت بغت فيهم وهي محصنة، وأن حكمها في التوراة التحميم والجلد، وسألوا رسول الله ﷺ عن الحكم اللازم لها، وسمعوا ما يقول فيها قوم المرأة الفاجرة قَبْل أن يأتوا رسول الله ﷺ محتكمين إليه فيها. وإنما سألوا رسولَ الله ﷺ عن ذلك
(٢) في المطبوعة: "إن السماعون... "، وأثبت ما في المخطوطة.