القول في تأويل قوله عزّ وجلّ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يحرف هؤلاء السمَّاعون للكذب، السماعون لقوم آخرين منهم لم يأتوك بعدُ من اليهود="الكلم" (١). وكان تحريفُهم ذلك، تغييرَهم حكم الله تعالى ذكره= الذي أنزله في التوراة في المحصَنات والمحصَنين من الزناة بالرجم= إلى الجلد والتحميم. فقال تعالى ذكره:"يحرّفون الكلم"، يعني: هؤلاء اليهود، والمعنيُّ حكم الكَلِم، فاكتفى بذكر الخبر من"تحريف الكلم" عن ذكر"الحكم"، لمعرفة السامعين لمعناه. وكذلك قوله:"من بعد مواضعه"، والمعنى: من بعد وضْع الله ذلك مواضعه، فاكتفى بالخبر من ذكر"مواضعه"، عن ذكر"وضع ذلك"، كما قال تعالى ذكره: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) [سورة البقرة: ١٧٧]، والمعنى: ولكن البِرَّ برُّ من آمن بالله واليوم الآخر. (٢)
* * *
وقد يحتمل أن يكون معناه: يحرفون الكلم عن مواضعه= فتكون"بعد" وضعت موضع"عن"، كما يقال:"جئتك عن فراغي من الشغل"، يريد: بعد فراغي من الشُّغل.
* * *
ويعني بقوله:"إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا"، يقول هؤلاء الباغُون السمَّاعون للكذب: إن أفتاكم محمد بالجلد والتحميم في صاحبنا="فخذوه"، يقول: فاقبلوه منه، وإن لم يفتكم بذلك وأفتاكم بالرجم، فاحذروا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
(٢) انظر ما سلف ٣: ٣٣٦- ٣٣٩.