وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنهم يقولون:"أكذبت الرجل"، إذا أخبرت أنه جاءَ بالكذب ورواه. قال: ويقولون:"كذَّبْتُه"، إذا أخبرت أنه كاذبٌ. (١)
* * *
وقرأته جماعة من قرأة المدينة والعراقيين والكوفة والبصرة: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بمعنى: أنهم لا يكذّبونك علمًا، بل يعلمون أنك صادق = ولكنهم يكذبونك قولا عنادًا وحسدًا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرأة، ولكل واحدة منهما في الصحة مخرج مفهوم.
وذلك أن المشركين لا شكَّ أنه كان منهم قوم يكذبون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويدفعونه عما كان الله تعالى ذكره خصه به من النبوّة، فكان بعضهم يقول:"هو شاعر"، وبعضهم يقول:"هو كاهن"، وبعضهم يقول:"هو مجنون"، وينفي جميعُهم أن يكون الذي أتَاهم به من وحي السماء، ومن تنزيل رب العالمين، قولا. وكان بعضهم قد تبين أمرَه وعلم صحة نبوّته، وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسدًا له وبغيًا.
* * *
فالقارئ: (فَإنَّهُمْ لا يُكْذِبونَكَ) = بمعنى (٢) أن الذين كانوا يعرفون

(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٣١.
(٢) في المطبوعة: "يعني به" وفي المخطوطة: "معنى أن الذين..."، وصواب قراءتها ما أثبت.


الصفحة التالية
Icon