وكان بعض نحويي البصرة يقول: ذكَّر"قريب" وهو صفة لـ"الرحمة"، وذلك كقول العرب:"ريح خريق"، (١) و"ملحفَة جديد"، (٢) و"شاة سديس". (٣) قال: وإن شئت قلت: تفسير"الرحمة" هاهنا، المطر ونحوه، فلذلك ذكَّر، كما قال: (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا)، [سورة الأعراف: ٨٧]، فذكَّر، لأنه أراد الناس. وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث، كقول الشاعر: (٤)
وَلا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا (٥)
* * *
وقد أنكر ذلك من قِيله بعضُ أهل العربية، ورأى أنه يلزمه إن جاز أن يذكِّر"قريبًا"، توجيهًا منه للرحمة إلى معنى المطر، أن يقول:"هند قام"، توجيهًا منه لـ"هند" وهي امرأة، إلى معنى:"إنسان"، ورأى أن ما شبَّه به قوله:"إن رحمة الله قريب من المحسنين"، بقوله:"وإن كان طائفة منكم آمنوا"، غير مُشْبِهِه. وذلك أن"الطائفة" فيما زعم مصدر، بمعنى"الطيف"، كما"الصيحة" و"الصياح"، بمعنًى، ولذلك قيل: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ)، [سورة هود: ٦٧].
* * *
(٢) في المطبوعة: "وساحفة حديد"، وفي المخطوطة: "وماحقه جديد"، غير منقوطة والصواب ما أثبت، وهو المثل الذي ضرب في هذا الباب. قال ابن سيده: "ملحفة جديد، وجديدة"، وقال سيبويه: وقد قالوا ملحفة جديدة، وهو قليلة.
(٣) "شاة سديس": أتت عليها السنة السادسة.
(٤) عامر بن جوين الطائي.
(٥) مضى البيت وتخريجه فيما سلف ١: ٤٣٢، ونسيت أن أذكر هناك أنه سيأتي في هذا الموضع من التفسير، ثم في ١٨: ١١٨ (بولاق)، وصدر البيت: فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا